إسماعيل بن شهاب البلوشي
عندما نتعمق وبشغف في تاريخ الدول والحضارات التي كان لها تأثير بارز وتاريخ مُتميز بين دول العالم، فإنَّ أهم الأسباب لذلك مقدرة هذه الدول على خلق خصوصية وتوجه وسمة ترمز لها وتُحدد معالمها، ضمن إطار خاص لا يكون إلا لها، ولقد ساعد موقع بعض تلك الدول -مثل البعد الجغرافي- عن باقي دول العالم الذي لم تشاركها حدوداً برية أو أن موقعها كان في مجموعة من الجزر المعزولة، استطاعت من خلال ذلك الموقع إيجاد ذلك التميز مع وجود ثقافة خاصة ناجحة وطموحة تدار من علماء وفلاسفة يقابله شعوب متعطشة وقابلة للتطور والاستماع والعمل الجماعي برؤية موحدة وبعيدة كل البعد عن الاختلافات والتجاذبات وخاصةً الدينية والعرقية والمذهبية.
إنَّ وجود الخصوصية الثقافية لأيِّ شعب يجعل له سياجاً منيعاً من أي غزو فكري أو حتى قتالي، ولا يمكن لأي دولة من دول العالم أن تُهزم ومن كل النواحي إذا استطاعت جمع الفكر والكلمة؛ لذلك كانت هناك إبداعات فلسفية من السلطان الراحل -طيب الله ثراه- في جوانب كثيرة لا حصر لها، أراد من خلالها ترسيخ الرؤية العمانية الخالصة، وهنا أدعو المفكرين والباحثين على إظهار جوانب إستراتيجية عديدة وضعت لها أسس، ولم يكن من شيم جلالته -طيب الله ثراه- أن يتحدَّث عنها وكأنه أراد الفعل أن يدوم والعمل أن يتم، وكذلك أراد لنا أن نكتشف ذلك ونوضحه لنا وللعالم بأسره. وإنني اليوم فقط بصدد الحديث عن الكلمات التي أراد لها السلطان الراحل أن تكون عُمانية خالصة تجمعنا على الرغم من أنها جزء لا يتجزأ من اللغة العربية، وهي متاحة لأي إنسان أن يتحدث بها، غير أنَّ تلك السمة التي أراد لها أن تكون عمانية، فإن قلة من الناس من يُدرك معنى ذلك، فحتى لو أن خبراء اللغة العربية أجمعوا على عدم الخطأ في استخدامات أخرى لنفس الكلمة، إلا أن الهدف كان أبعد بكثير؛ ذلك أن مجرد إجماعنا وتصميمنا على استخدامها رسمياً هو هدف بعيد جداً، وأهم بكثير من مجرد التفسير اللغوي المباشر؛ ولذلك وباجتهادٍ شخصي حاولت أن أبحث عن الجهة المعنية بحفظ تلك الكلمات أو التشريع القانوني الملزم في استخدامها أكان ذلك في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، خاصةً نشرات الأخبار، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي وحتى التعامل اليومي فيما بيننا كأفراد، وأكون في غاية الوضوح أني لم أجد تلك الجهة التي أبحث عنها، بل إنني -وللأسف الشديد- وفي الكثير من المشاهد والأحداث وفي وسائل الإعلام، أستمع إلى استخدام كلمات تم الاتفاق على استبدالها بكلماتٍ عُمانية خاصة برؤية جلالته -طيب الله ثراه- ولكنني لم أرَ أن ذلك يتم بتلك الصرامة المطلوبة، وبذلك المعنى الذي يجب أن يكون له أطر قانونية ملزمة ومن الجميع، وكمثال لبعض الكلمات المعنية: فنحن لا نذكر البنية التحتية وإنما نذكر البنيةُ الأساسية، وكذلك لا نقول الوجهة الرئيسة بل الوجهة الرئيسية، إلى جانب ذلك كلماتٍ أخرى للمثال وليست للحصر الباحثين عن العمل، المناطق النائية، علماً بأنَّ هناك كلماتٍ أخرى يجب أن يتم جمعها وتحديدها والعمل بها.
وأخيرًا.. فإن دعوتي لأصحاب القرار، وكذلك لنا جميعاً، أن نشارك الرؤية الأبعد لجلالته طيب الله ثراه، كي نُحقق الأهداف البعيدة، والتي تحتاج إلى جهد وتضحية وتطبيق، ونكراناً للذات والبعد عن اعتقاد المعرفة المطلقة في سبيل جمع الكلمة، وإعلاء شأن عمان وجعلها في المكان الذي تستحق.