حديث الشموخ

 

علي بن سالم كفيتان

فتح حديث حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- أيده الله- مع مشايخ ولايات الداخلية والوسطى، الأسبوع الماضي في حصن الشموخ، الباب واسعًا لإشراك المواطنين في صناعة القرار، والإسهام في تنمية وتطوير مُحافظاتهم، من خلال الدعم المالي الذي تضاعف بتوجيهات سامية، وكذلك حث المحافظين والمجالس البلدية والمشايخ على العمل معًا لخدمة هذا الوطن في مُختلف ربوعه.

لا شك أنَّ هذا التوجه لم يكن جديدًا؛ بل ظهر مع إصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (101/ 2020)، والذي حدد في مادته الرابعة تمتُع كل محافظة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري والأهلية التامة لتملك الأموال الثابتة والمنقولة والتصرف بها. وحدد نظام المحافظات والشؤون البلدية الروافد المالية لكل محافظة عن طريق ما تعتمده الحكومة لها من الموازنة العامة للدولة، ونظير الخدمات التي تقدمها للغير، والهبات والإعانات التي تحصل عليها، وعوائد استثمار أموالها، ونسبة من الرسوم البلدية يتفق عليها مع مجلس الوزراء، مما غير النمط التقليدي لعمل المحافظات وصلاحيات المُحافظين؛ فالبلديات في جميع ربوع السلطنة أصبحت تتبع لهم، ويدعم جهود كل محافظة مجلس بلدي منتخب ظل يعاني من منهجية غير فاعلة في تنفيذ مقترحاته عبر الرفع للمحافظ، ومن ثم مخاطبة الجهات المعنية التي غالبًا ما ترُد بعدم إمكانية التنفيذ لقلة المخصصات المالية وعملها على تراتبية خمسية للمشاريع لا يمكن الخروج عنها، إلا بالدخول في كومة مخاطبات غالبًا ما تنتهي دون تنفيذ مطالب المجالس البلدية. غير أن الحيز المالي الجديد بموجب قانون المحافظات منح المزيد من المناورة للمحافظين والمجالس البلدية والمشايخ وهذا ما أكد عليه جلالة السلطان-أبقاه الله- في حديث الشموخ. فهل سنرى انفراجةً أمام مقترحات المجالس البلدية؟ 

كان حديث جلالة السلطان- حفظه الله- أبويًا ودافئًا تمثل في أهمية الحوار مع المُجتمع وجهًا لوجه، والاستماع للناس وإيصال خطط الحكومة إليهم والإصغاء لمُقترحاتهم والتحديات التي تواجههم، وهذا ما كُنا ننادي به في عدة مقالات حول أهمية التوطئة لتقبُل الناس لمراحل التغيير وكنَّا نتوقع أن الإعلام الرسمي يقوم بدور أفضل في هذا المضمار، وعوضًا عن ذلك أنزلق إعلامنا لمُعتركات ومماحكات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أكثر من مُناسبة، خلَّفت المزيد من السلبيات الاجتماعية؛ ولذلك ما زلنا ننادي بأهمية تجديد الخطاب الإعلامي الرسمي، فرغم المُمكنات الهائلة التي تضعها الحكومة خلف هذه المنظومة إلا أنها ما زالت تعمل بشكل رتيب لا يتفق مطلقًا مع متغيرات المرحلة. ولكي نكون منصفين، يتطلب الأمر معرفة حدود اختصاصات إعلامنا الرسمي والمناطق المسموح له الخوض فيها، فقد تكون هناك معوقات في موقع آخر يتطلب إزالتها سريعًا لإيصال الرسالة الجميلة والهدف السامي الذي بيّنه مولانا جلالة السلطان في حديث الشموخ.

وهل هذه الشفافية والمصداقية في الطرح ستقود لتعيين متحدث رسمي باسم الحكومة؟

ظل هذا السؤال عالقًا في أذهان الكثيرين وطرحناه في مقالات عدة؛ حيث إنَّ ظهور مولانا جلالة السلطان- أبقاه الله- والاستماع لتوجيهاته وتطلعاته، أمرٌ في غاية الأهمية والحديث العفوي يصل للقلوب دون وسطاء، ويزيل الكثير من الصور الضبابية، لكن لن يكون مُمكنًا الانتظار فترات طويلة للحصول على حديث من هذا العيار؛ لذلك بات المتحدث الرسمي باسم الحكومة ضرورة مُلحة، لكي ينقل بعض ما يدور في كواليس مجلس الوزراء للمجتمع، ويطمئن المواطن والمقيم والمستثمر على الخطوات المُنجزة، ويعزز لديهم الآمال، مثلما فعل جلالة السلطان في حديث الشموخ، حول تسريع بعض الخطوات، إذا ظلت وتيرة النمو الاقتصادي وفق الوضع الراهن، وأن رفع الرسوم وفرض بعض الضرائب ليس الغاية، وأن الحكومة لديها منهجية ثابتة لمراجعتها وإلغائها، إذا تحسن الأداء المالي؛ فالهدف هو إسعاد الإنسان العُماني والإبقاء على أكبر قدر من التفاؤل بغدٍ أفضل إن شاء الله.

لفت انتباهي كمُراقبٍ للقاء، حُسن التنظيم وتجاوب المشايخ، والطرح الرزين أمام المقام السامي، وهذا أمر مُتوقع من شيوخ المنطقة الداخلية والوسطى؛ فنزوى بقلعتها الشامخة وإنسانها العظيم مثار فخر لكل عُماني، وكل ولايات الداخلية تحكي سُّمو وقوة وجلد الإنسان في عُمان؛ ففيها رحاب النماء وعرين العلماء، وقد ظلّت العرق النابض لعُمان والقلعة الأخيرة التي تستعصي على الغزاة والطامعين، بينما وُلِدَت النخوة والمروءة في قلب عُمان (الوسطى)، فهناك نار لا يطفئها الزمن ومضارب عامرة برجال يعرفون لهيب الصحراء ويجيدون مخابر الدهر، فمن وسط هذا اللهيب، ومن عمق تلك الخبوت، وقمم تلك المفازات ومن رحاب تلك السيوح الفسيحة، تنطلق شرايين التنمية إلى كل شبر من عُمان، مُشكّلةً بذلك كنزَ عُمان العظيم.

حفظ الله بلادي.