فاطمة الحارثية
كانت المكافآت هدفًا "لذيذًا" في جميع العصور، دون استثناء؛ بل كانت وما زالت لدى البعض ضرورة وإكسيرَ حياة، والبعض الآخر لا تطيب الحياة إلا به، وما يثير الجدل بالنسبة لي من يتخذونه كإثبات وجود وسعي، لا يردعهم إليه فعل الشر والمكر والأذى، بل قد يصل لدى البعض إتيان أبشع الأفعال والأعمال من أجل تلك المكافآت.
يُعرِّف جمهور الموارد البشرية المكافآت بمُسميات عديدة منها الترقية والحوافز والمزايا وغيرها من التسميات المختلفة، وحسب تعريفهم التقليدي له: هو نقل العامل من حالته العملية الحالية إلى حالة أخرى، في مستوى أعلى، وفق تنظيم معتمد، لينال بذلك النقل مسؤوليات أكبر ومزايا أعلى سواء مادية أو سلطوية؛ هذا ما هو متعارف عليه، بيد أنه قد أتى القليل من المشتغلين في هذا المجال، ببعض التغيرات التي في الأخير، لم تصنع جديداً خارج هذا الإطار المُحكم، ولا يمكننا غض الحديث عن الفئات القليلة جداً، التي تحدثت عن الترقية كمفهوم عمودي وأفقي، ولا عمن تربطه بالشهادات الأكاديمية، ضاربا الجهد والعمل والنتائج عرض الحائط، ولا عن ترقيات المُحاباة والحزبية، في إسقاط واضح للاستراتيجية العملية والنفعية المؤسسية، أضف إلى ذلك متنمري ومهوسي التسلط وإذلال الحقوق.
الانتصار على أحدهم تزلفًا أمر نراه كثيرًا، ومفهوم القسمة والحكم لدى الناس يغلب عليه العواطف في المجمل، فالسريع السهل مثل الترقية العمودية، تغرر بالكثير من الموظفين، دون استيعاب حقيقي للتأثير الزمني على هذا النوع من الترقيات، في المقابل نجد أن الترقية الأفقية هي الأمثل نحو الصعود إلى القمة بثبات، خاصة إذا ما ارتبط التخطيط الشخصي بالاشتغال على تعزيز جوانب التنوع والثقافة والعلاقات، لذلك أحببت أن أعطي مساحة للحديث عنه، للتذكير وأيضًا لإيفاد بعض الإدراك؛ كما نعلم جميعًا، أن للزمن دور عميق وغير مباشر، في المتغيرات من حولنا، وكثيرا ما يكون هذا الدور غير واضح في الراهن من المعطيات والظروف وتقلبات الأحداث. ومثلاً على ذلك: عند حدوث أي تغير مُفاجئ كتعيين مسؤول من خارج المؤسسة، نلمس السخط من بعضهم، لاعتقاده أنه الأجدر بهذا المنصب، بل قد لا يتوانى من وضع العراقيل، والمساس بسلامة العمليات المؤسسية، بهدف التنكيل بالمسؤول الجديد، والذي تخال نفسه الأمارة بالسوء أن المسؤول الدخيل نهب حقه في الترقية، ويؤول للجموع أن المسؤول الجديد دخيل غريب نال مقعده بالحظ والعلاقات. هذا مثال واضح على أنَّ القليل من الناس من يُدركون قوة الترقية الأفقية؛ فنجد أن الانتقال الأفقي للمهام المختلفة، وخوض التجارب الجديدة، عبر أقسام مختلفة، لذات المؤسسة أو عبر المؤسسات والشركات، كإعارة أو انتقال خارجي، بعيدًا عن التخصصية، يفتح للموظف المجال للتوسع نحو علوم جديدة، وتأثيرات مختلفة، تصب بالنفع والشمولية في عمليات أية مؤسسة، أو شركة قد ينظم إليها، وتمنحه كفرد الآفاق والوعي، لتعزيز أخلاقيات صناعة القرار، والصورة الكبيرة لمسار الأمور، وكيفية صياغة الأهداف، ومجالات التنويع في آليات التنفيذ، وتأثير ذلك على مختلف جوانب الأعمال والأداء، مما يُوسع الفرص لديه نحو تحقيق النجاح والتوازن، ويُعطيه "الاستحقاق" في الترقية.
لا يتجرأ أحد على إنكار وجود المحاباة في معظم التغيرات الإدارية والترقيات، وحين تلتزم مؤسسة ما بدورة زمنية محددة لاستحقاق الترقية، فهي تظلم المؤسسة بذلك وتنشر التمييز الوظيفي، وتؤثر سلبا على الأداء، لأن الاستحقاق الحقيقي يأتي عن جهد وبذل وإنتاج ونفع، وليس حق مُلقم أو أقدمية مترهلة؛ ولن أتطرق لجوانب "أعمال وإجراءات التوزيع" في هذا المقال؛ لأنني اعتقد أنه يستحق مقالًا مفصلًا، يتناول فيه الفلاح والفساد في عمليات التطبيق والتنفيذ، علمًا أن القرار والتوقيع لن يزيد أو يُنقص من رزقك، أو رزق المتلقي، لكنها الحُجة، وأبواب التعويض لا يعلمها إلا الله، وتأتي إلى المُتلقي من حيث لا يحتسب.
سمو...
المال هو ملك لله، يعطيه الله لمن يشاء ويوكله على من يُريد، وعند اليقين بتلك الأمانة، وإن كانت على هيئة كلمة أو توقيع، علينا أن نخاف من كلمة قد تجعلنا حطبًا للسعير.