وداد الإسطنبولي
عندما نستمتع بالوقت لا أحد يستطيع أن يوقف هذا الجمال في لحظاتنا الحلوة، التي تشعرنا بالسعادة. وأيضًا عندما نفتح قلوبنا ونضحك بصوت عالٍ، وعندما تمتلئ الدموع أعيننا تذرف معبرة عن مشاعر مخبأة في جوف القلب ونتشارك هذا الامتلاء الجميل وهذا السحر الخيالي في خلوة تلقي علينا تعويذتها الجميلة، فقد نقوم مع هذا السحر الذي يقودنا لأفعال لم يسبق أن فعلناها من قبل، وربما قد لا نحتاج لأحد أن يتشارك معنا سوى النفس؛ لأننا نحبها قبل كل شيء، فهذا السحر الدنيوي الجميل الخلاب الذي لا يمكن لأحد أن يلتقطه منك، ونحن نعيش خلوة تظللنا بدفئها خالية من أي هموم، أو أي ظرف يكدر صفوها لا نبحث في ظل سويعاتها سوى تلك اللحظة المثلى التي نتمنى نقاء صفوتها.
فماذا عن خلوة القلب الذي لا يطارده شارد! قلب طالب بالكمال والتنزيه من كل وارد، اجتماع الخلوة وليست أي خلوة، خلوة تداري فيها من الأعين، خلوة تبحث فيها عن الإيواء، وتنغمس في بركة الحسنات، بعيداً عن موطن الغفلات، وإن كنَّا في الحديث السابق على شط تعويذة الجمال، فنحن الآن في قدسية الإبداع السماوي.
فماذا لو شعرنا بحضوره وقبوله منادياً لنا "اسجد واقترب"! في أي مقام نحن هنا، وتلك المسافة القريبة تصلنا به، وأي حيز سنقف عنده، وأي بحر من بحور الذكر نبدأ، ونحن أتينا إليه ممتلئين بالغرق، نعم... ممتلئين بالغرق. قد نوهت مسبقا أننا لا نحتاج لأحد سوى النفس؛ لأننا خجولين بطبعنا، وأنا هنا في قمة حيائي لا أريد شاهد سواه، يشهد على إحراجي لنفسي، فلابد أن أدرب مواهبي على لقياه؛ لأنني سأتجرد من كل شيء كتجرد المحب لعطائه اللامحدود، وكرمه الأوحد، وعفوه المطلق.
فتلك الجبهة الساجدة بكل استرخاء، تستنجد بالدنو منه، فهي تعلم أنها الآن في وضع الفلترة، وأتت بقدميها إلى الحصن المنيع، تستجدي القبول، وهي حمقاء! فقيرة من المعرفة في ملكوت من أتت إليه، وتفتقر إلى الإيمان في الفرج. وغباء من جهلها أن من أتيت إليه هو الرقيب، أتت في القضاء والحاجة، وجبر الخواطر، وهو العالم بما يدور، سميع للمطالب، وقوله العظيم الحق "ادعوني استجب لكم".
فاقتربت إليه وسجدت، لأنها أيقنت أنها تقف عند الفعال لما يريد.