سيكولوجية كبش الفداء

 

د. حارث بن عبدالله الحارثي

 

منذ أن أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، وأتى كبش الفداء "ليُنقذ" حياة سيدنا إسماعيل، تم استخدام مصطلح "كبش الفداء" لوصف كل من تم استخدامه دون علمه كوسيلة أو فداء لجلب منافع أو درء الأخطار عن الآخرين من أفراد أو أمم. وشكل "كبش الفداء" مصدرًا ثريًا للكُتّاب، وأُلِّفت الروايات الأدبية وخُطَّت الكتب التاريخية لتوثق أو تحلل قصص ومواقع "كبش الفداء" مع التأييد والتعاطف أو السخرية والاستنكار.  

لستُ هنا بصدد نقاش الموضوع من نواحي الأدب أو التاريخ، فقد تم نقاش الأمر مرارًا وتكرارًا وليس لدي ما أضيفه في ذاك السياق؛ بل سأركز على "سيكولوجية كبش الفداء" وكيف يُمكننا تفادي الوقوع ضحايا لها، والاستفادة منها لبناء غد مشرق. لنفهم "سيكولوجية" كبش الفداء، علينا البدء بالنواحي غير السيكولوجية، مثل النواحي العقلية والذهنية. هل تساءل أحدكم لماذا "كبش" فداء وليس "ثعلب" أو "ذئب" أو "قطة" فداء؟ الكبش لا يمتلك إمكانيات ذهنية وعقلية عالية، ويُقال إنَّ تدريب الكبش على أي أمر هو من سابع المُستحيلات، ربما لهذا السبب انعدم وجود عرض في السيرك يُقدمه كبش أو مجموعة من الكباش. إمكانياته الذهنية المُتواضعة انعكست على سيكولوجيته، فتنتهي حياته بانتهاء فعالية وحدث الفداء به.

وبعد فهمنا للنواحي العقلية والذهنية للكبش، لنُحلل المعطيات وأطراف العلاقة، فكبش الفداء هو طرف ضمن علاقة تجمع ثلاثة أطراف، الكبش بنفسه، و"صاحب الكبش" وهو المُستفيد المباشر أو غير المباشر مما يحدث، وصاحب سلطة أو قرار يمكنه تحقيق الفائدة التي يرغب بها صاحب الكبش. الطرفان الأخيران قد يدركان ما يحدث وتتم حياكة الأحداث بدقة من قبلهما وصولاً للفداء بالكبش الذي لا يدرك موقعه في هذه العلاقة و"يتفاجأ" بما يحدث. تمضي أطراف العلاقة الأخرى في طريقها بينما ينعدم أي وجود للكبش بعد الفداء به ويذوي بعيدًا.

قد تُؤثر سيكولوجية كبش الفداء على الجماعات، وتحدث عندما تواجه الجماعات والأمم نتائج سيئة نتيجة قيام أفراد أو حكومات باتخاذ إجراءات أو التسويق لسياسات، مع تصويرها أنها صحيحة وصائبة؛ لتثبت الأحداث لاحقًا خطأها أو كارثيتها، مع تحمل الجماعات والأمم العواقب اللاحقة. حدث ذلك لدول التحالف بعد الحرب العالمية الأولى، وحدث كذلك في دول الاتحاد السوفيتي وفي الدول الديكتاتورية والدول الديموقراطية أيضًا. وتُلاحظ هذه السيكولوجية في شعوب الدول التي تتأثر بسياسات صندوق النقد الدولي وتجلت آثارها واضحة في اليونان مُؤخرًا وقبلها في الأرجنتين وغيرها. فقد أحس كل رجل وامرأة في تلكم الدول أنه أو أنها كانوا "كبش فداء" ولم يكن لهم أي "ذنب" فيما حدث.

"كبش الفداء" والتأثيرات السيكولوجية التي تليه منتشرة انتشارًا واسعًا بيننا الآن، وسأضرب لكم مثالًا بصديق عزيز تم تحميله مسؤولية اختفاء أموال من الشركة التي كان يعمل بها، بالرغم من إصراره على أنه لم يسرق المال ولم يرتكب أي خطأ. قال لي والعبرات تنسال على خديه إنِّه كان "كبش فداء" الشركة لكي تتستر على سرقة المسؤولين فيها للمال. صديقي هذا "لم يفهم ما يحدث له" ولم يعِ "عواقب عمله في الشركة" عندما عمل بها. لم يسأل الآخرين من الموظفين القدامى ولم يستخلص العبر. كان طيباً لحد السذاجة، وغبياً لحد الحمق. بعد حادثة "الفداء" به تأثرت حياته لدرجة التوقف فأصبح مكتئباً وحزيناً، لا يستطيع النظر في أعين الآخرين أو الوثوق بهم، تزعزعت ثقته في نفسه وأحس بالضيق مع نوبات هلع متكررة. ظل عقله سجين موقف الفداء به يسترجعه في ذاكرته مئات المرات كل يوم متسائلا عن الخطأ الذي قام لكي يستحق ما حدث له وكيف لم يقم المسؤولون في الشركة بإنصافه. تقوقع على نفسه واكتست نظرته للحياة بالسوداوية والسلبية.

أخبرني صديقي أنه "تعلم الدرس" ولا يريد أن يكون كبش فداء لأحد مرة أخرى، استمعت إليه وأنا أهزُ رأسي، وأتذكر المواقف التي أحسست فيها أنني كنت كبش فداء أيضًا، تذكرت مشاعري حينها من غضب وحزن وذل وإخفاق، لمت نفسي وهاجمت الآخرين، وتذكرت الخيارات التي أتيحت لي، نظرت إلى صديقي وأخبرته بأن لا يحزن، فالإخفاق والفشل لا يجعلانك يا صديقي كبشًا.

أخبرته عن مراحل الحزن المختلفة التي تلت إدراكي لكوني كنت كبش فداء، وعن أهمية أن يخرج من الحلقات المفرغة لـ"سيكولوجية كبش الفداء" المنهزمة والسلبية والمتقوقعة على نفسها، يخرج منها بسرعة ويوجه طاقته إلى لملمة فتات حياته واستخدامها لبناء حياة أفضل، ونسخة أقوى منه "تتذكر ما حدث" و"تفهم ما يحدث" و"تسيطر على معطيات المستقبل". أخبرته أن الكل يخطئ والكل تعرض لمواقف الاستغلال، وأنه "ليس وحيدا" أو يجب عليه لوم نفسه فقط. وقوعك في سيكولوجية كبش الفداء قد لا يكون باختيارك يا صديقي، ولكن الخروج منها في متناول يديك وعليك معرفة الأدوات والوسائل المُتاحة لك.

تذكر أن ما حدث لك هو جزء من "الماضي" وليس من الحاضر أو المستقبل، وأن الإخفاق والفشل هما أكبر دواعي النجاح.

تعليق عبر الفيس بوك