د. عبدالله باحجاج
ما زال وقع إحباط محاولة تهريب 1.8 مليون حبة مخدرات لداخلنا العُماني، تهز الوعي، ويفترض أن تهز المجتمع بكل مؤسساته، ويفترض أن تعقد اجتماعات مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمستقلة بما فيها المنتخبة- الشورى والمجالس البلدية- لكن الخبر مرّ كبقية الأخبار، وكأنه لا يعنينا من قريب أو بعيد!!
فبماذا نُفسر هذه السلبية؟!
إنني أُرجعها إلى مجموعة أزمات نحصرها في: أزمات الفاعلية والنمطية والتقليدية في الأداء، والفهم الخاطئ للمسؤوليات.. إلخ. وقد حرصتُ خلال الأسبوعين الماضيين على رصد التفاعلات الناجمة عن نجاح شرطة عمان السلطانية بالتعاون مع نظيرتها السعودية في إحباط تهريب تلكم الشحنة من المخدرات، ولم أعثر على ردة فعل تلائم حجم الفعل، لكن نستثني هنا الجنود المجهولين الذين أحبطوا هذه المحاولة، ويقفون على مدار الساعة في حروب شرسة ضد المخدرات، من مسندم إلى ظفار. وكان يستوجب أن يكون خطبتا الجمعتين الماضيتين عن المخدرات، كما كان يستوجب أن نشهد حملات تثقيفية مُكثّفة في المدارس والجامعات وفي المجتمعات المحلية، وكان يفترض من مجلس الشورى الدعوة لعقد جلسة استثنائية، وكان يُفترض من المجالس البلدية بحث هذه القضية في شراكة مؤسساتية ومجتمعية تكون في مستوى الحدث الخطير.
كما كان يُفترض الإجابة على التساؤلات التالية: من يقف وراء محاولة إغراق بلادنا بتلكم الكميات الضخمة من المخدرات؟ وهل وراؤها أبعاد سياسية أم أنها عملية تكثيف من تجار المخدرات لاستهدافاتهم لبلادنا؟ وما هو واقع المخدرات في بلادنا؟
خلال الفترة الماضية كنتُ مهتمًا بحضور بعض جلسات المحاكمات، وفي كل جلسة من الجلسات لا يقل عن اثنين أو ثلاثة محاكمات موضوعها مخدرات، وهذا مؤشر يُبنى عليه عن واقع المخدرات، وفي الموقع الإلكتروني لشرطة عمان السلطانية، وجدت أن قيمة المخدرات المضبوطة خلال عام 2010، تبلغ نصف مليون ريال عماني، وهذا بدوره يكشف لنا عن العوائد المالية التي تقف وراء هذه التجارة. وإحباط تلكم الكميات الضخمة المخيفة، تقرع جرس الإنذار المستعجل من خطورة المخدرات على الأطفال والشباب معًا، لكن يبدو أنها لم تسمع، وستظل تقرع، ولن تسمع، لكن لن نفقد الأمل، ومنه نطالب بالآتي:
- تشكيل حملات تثقيفية تستهدف الطلبة في المدارس والجامعات والمساجد.
- تخصيص برامج تلفزيونية تستهدف الشباب.
- تفعيل دور المرشدين التربويين في المدارس.
وتشير الدراسات إلى أنَّ أكثر الفئات العمرية التي تعرضت لأخطار المخدرات تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 20 سنة، وأن 67% من مُدمني المخدرات تكون بدايتهم في سن المراهقة، ومثل هذه المعلومات تُؤكد أهمية التوعية للطلبة في المدارس والجامعات، وهذه أدوار غائبة، كما إن تغيُّب الخطاب الديني الأسبوعي عن التناغم مع بيئته التفاعلية نموذجٌ لهذا الغياب المؤسسي، فلا يمكن أن تركز الجامعات والمدارس على التعلم فقط، وتترك ما تُعانيه بيئتها من مخاطر كالمخدرات، وهي في صلب اختصاصاتها، لذلك لابُد من تفعيل أدوارها الاجتماعية فورًا، فهي تحتضن الفئات المستهدفة من تجار المخدرات، ويستوجب عليها أن تحصّنهم بالتوعية.
وتلكم الأزمات (أي عدم الفاعلية والتفاعلية والنمطية والتقليدية وغيرها) ليست وليدة اليوم، وإنما متجذرة، فالنموذج الذي نُقدمه هنا "انتشار محلات بيع التبغ، بمسميات غريبة مثل الدوخات والمداوخ، دوخة حارة، دوخة صينية.."- وقد تناولتها في مقالي السابق- يطرح علينا سؤال: كيف يُسمح بفتح هذه المحالات داخل الأحياء السكنية وبالقرب من المدارس والمساجد، وبتلكم الأسماء المثيرة للأطفال والشباب؟ وعندما أُفكرُ في الأسماء، أتساءل كيف يُسمح رسميًا بها؟ وعندما أُفكر في أمكنتها، أتساءل عن جودة الفاعلين أعضاء المجلس البلدي الذين انتخبهم المجتمع عبر صناديق الانتخاب؟!
المسؤولية الآن تقع على عاتق نظام المحافظات، بحيث يدعو كل محافظ الجهات الحكومية والمستقلة التي تقع داخل سلطته اللامركزية إلى اجتماعات عاجلة، والبدء في حملات التثقيف المكثفة في الجامعات والمدارس والمساجد والإعلام، وهي ضرورة ملحة الآن، فلابُد من كشف مخططات تجار المخدرات ووسائلهم التقليدية وغير التقليدية، كتحذير مُبكر، مع التشديد على دور المرشدين التربويين في المدارس في التوعية وفي مراقبة السلوك، والتواصل مع أولياء الأمور عند الحاجة إذا ما ظهرت سلوكيات مثيرة، ودون ذلك، يكون حال أطفالنا وشبابنا كما يقول شاعر هذه الأبيات:
رماه في اليم مكتوفًا.. وقال له إياك أن تبتل بالماء
ودون القيام بهذه الأدوار المؤسسية والاجتماعية، هل يكون العامل الأمني لوحده والزج بالشباب في السجون، حلًا لهذه المعضلة؟!