الإنسان وراء النظام

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

dhafiralharthi@gmail.com

 

اختار المولى- عزَّ وجلَّ- الإنسان وكرمه؛ ليكون الخليفة المسيطر في إدارة الأرض بأمر الله وحكمته ورحمته، لذا مكّنه بالعقل وميزه به عن سائر مخلوقاته، ومع المراحل التي عاشتها البشرية لتواكبنا، خُتمت الرسالات والنبوة برسولنا وحبيبنا وقائدنا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام؛ لأن شُرّع له صلى الله عليه وسلم ما ينطبق على مصالح الناس في كل زمان ومكان، واستقر القرآن دليلنا في إتمام هذه المهمة حتى تنتهي، فما هناك من أمر إلا وقد جمع وحدد ورصف ونظم.

ومن حكمته- جل جلاله- أن يكون الإنسان مُخيرًا في تقرير الصراط والمسار بالرغم من أنه الشَارع القادر المُقتدر وما من أمر أمره (كُنْ) فيكون بإذنه، ومع التحديات والابتلاءات والظروف التي يختبرنا المولى من خلالها، منِّا من يختار الطريق الخاطئ معتقدًا بعقله المحدود وضميره المتراجع وفكره المتشتت وحسبته الضيقة أنَّه الأصلح والمناسب متجاهلا كل عوامل القوة التي مكنه المولى عز وجل بها، فما كان نتيجة تعثره تلك إلا الخيانة والفوضى والفساد.

ومن هؤلاء هناك من ينتبه فيرجع عن انحرافه ليقومه ويهذبه حتى تستقيم، وآخرون انعقدوا ثابتين في ذلك المسار المضل الذي يحمل المضرة لسالكه قبل أن يتعدى به على حقوق وحريات الغير، فكان القانون من العلوم والأدوات التي تكن لهم بالمرصاد، لتقوم سلوكهم وتنظم حياتهم وتعوض عن ما فاتهم من قيم أخلاقية، فكلما ضاقت دائرة التعامل بالأخلاق اتسعت دائرة التعامل بالقانون، ومن هذا المنطلق شكل هذا العلم ضرورة لا بديل لها في حياتنا اليوم.

إن جوهر القانون رسالة سامية تتعدى في ماهيتها الحقوق والتنظيم والاستقرار، لتشمل كل مفردة تندرج تحت المشروعية والعدالة والمساواة والرحمة والتلاؤم، غير أن ذلك لا يعني تناقضها مع الشرع والأخلاق والفطرة بشيء؛ كما إنه يتبرأ من كل سلوك صادفه تحجر وجمود دون النظر إلى الواقعة بتفاصيلها والتمحيص فيها تمحيصًا يهدف إلى الوصول للحقيقة مُعتمدين في ذلك بذل العناية اللازمة مستخدمين موازين القسط الدقيقة.

واستثناءً للأصل المشهود والفكرة الدراجة، أقول إن لكل فرد فينا هامشًا أو مساحة من الصلاحيات التي قد تكون إما كبيرة متناسبة مع الصفة التي نحملها، أو متوسطة صغيرة متوافقة معنا؛ سواء بمناسبة عملنا أو بسبب البيئة والظروف التي نكبر فيها أو حتى كأفراد عاديين نقوم من خلالها بطرح الأفكار واتخاذ القرار واعتماد الأعمال، وأحيانًا الحكم على الأشخاص والاختيار. وهذا الطرح وهذا الاستثناء غير الموجود إلا في ذهني يهدف إلى إيصال فكرة محددة وهي: أولًا: أن الإنسان وراء النظام وكل ما نشهده من إيجابيات وسلبيات فهو سببه. ثانيًا: أن معالجة الفساد تبدأ من الذات حتى إن انبرينا في ساحات الحق ننتصب أقوياء، واثقون أننا أصحاب حق. ثالثًا: بناء الإنسان ثم تمكينه يأتي قبل إقامة الحجر.

تعليق عبر الفيس بوك