على بن سالم كفيتان
سيكون مقالي هذا الختاميّ لعام 2021، ولذلك حرصتُ أن تتقاطع فيه محطات عدة داخلية وخارجية شهدتها بلادنا وتناول تلك المحطات بشيء من الشفافية المقرونة بالأمل، وبعيدًا عن السوداوية قدر المستطاع.
لا أنكر أنني أنحاز إلى وطني وأتغاضى عن الكثير من الضجيج، ولكي أكون منصفًا في هذا الجرد الختامي لكتاباتي لعام 2021، فإنني أقدِّر جميع الاتصالات التي وصلتني من قرائي وثقتهم بقلمي ومن بعض أصحاب المعالي المتفاعلين مع ما نطرح من آراء تخص وزاراتهم وأشعرُ بيقين عميق بأن الجميع في العهد الجديد يعمل لخير عُمان وشعبها تحت القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر النية الحسنة وعليه بالتعديل ولا عيب في ذلك.
استمرت القلعة الخارجية للسلطنة صامدة وتسير بخطى ثابتة وتحظى باحترام كل دول العالم ولم تحد عن قناعاتها، رغم سخونة المواقف وزعزعة الجوار الإقليمي، وتناثر الرأي الدولي حول ملفات الشرق الأوسط الساخنة؛ فالجغرافيا العُمانية تفرض التواجد، ومعالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، فرض شخصيته كأحد أبرز وزراء الخارجية في المنطقة والعالم، ونجحت خيارات جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- في قيادة العلاقات مع ابرز الأشقاء في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية بتعيين صاحب السُّمو السيد فيصل بن تركي آل سعيد سفيرًا للسلطنة لدى المملكة، وهو السفير الشاب الطموح المنفتح الذهن، الذي استطاع في وقت قياسي الذهاب بعيدًا بالعلاقات الأخوية بن السلطنة والمملكة، ما أثمر عن نتائج إيجابية للغاية، توجتها الزيارة السامية الأولى لمولانا جلالة السلطان المعظم إلى السعودية، تبعتها زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية إلى السلطنة، وفتح ذلك الملف آفاقًا واسعة للتعاون الاقتصادي والسياسي مع الشقيقة الكبرى التي تمثل حجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط، كما زار جلالة السلطان دولة قطر الشقيقة التي لطالما قدّرت المواقف العُمانية معها وبادرت بإخلاص للعمل معنا في مختلف المجالات. ولعل المتابع للزيارتين يقرأ من خلالهما الكثير؛ فالدولتان قبل "اتفاق العلا" ظلتا على وفاق تام مع السلطنة وترسخت تلك العلاقة بعد هذا الصلح التاريخي.
لا يمكننا إنهاء الحديث عن العلاقات الخارجية دون الإشارة للزيارة الخاصة التي قام بها جلالة السلطان المعظم للمملكة المتحدة؛ فبريطانيا العظمى تربطها بنا علاقات وطيدة وتساهم بشكل فاعل في دعم مواقف السلطنة، إذ تحافظ المملكة على علاقات متينة مع عُمان، علاوة على أنها شكلت الحليف الموثوق صاحب النهج العقلاني في حل الأزمات؛ لذلك كانت هي المحطة الثالثة لجلالته في الخارج. ونعتقد جازمين أن المملكة المتحدة، وهي الشريك الاقتصادي الأبرز للسلطنة منذ عقود، ستُساهم في تدفق الاستثمارات الخارجية إلى السلطنة في المرحلة المقبلة، خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، مما سيجر بدوره المزيد من الثقة في الاقتصاد العُماني المتعافي وسيوفر الكثير من فرص العمل.
داخليًا.. ظل ملف الباحثين عن عمل، الملف الأبرز، وسيكون على وزارة العمل في ظل استراتيجتها- التي أعلنت عنها العام الماضي لاستهداف ما يزيد على 30 ألف فرصة عمل في العام 2021- أن تقدم كشوفات شفافة بمن تم توظيفهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، للمزيد من المصداقية. وفي الحقيقة الوزارة انتهجت هذا التوجه في منتصف العام، وأعلنت عن أسماء المعينين والجهات التي تم توظيفهم فيها، وعليها الاستمرار للمزيد من الشفافية؛ فالناس تتقبل الصحيح رغم مرارته أحيانًا، وتمقت التماطل والتسويف.
إن الإجراءات التي أقدمت عليها الحكومة من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي أتت أكلها في العام الثاني من خطة التوازن المالي، من خلال تقليل الدين العام وعجز الموازنة معًا، وتحسن التصنيف الائتماني للسلطنة، كما حافظ الريال العُماني على قيمته مقابل الدولار، وهو ما يمنح الاطمئنان للمستثمر الخارجي والدخلي ويوفر بيئة أعمال ناجحة. ونتيجة لذلك التحسن تعمل الحكومة حاليًا على إعادة النظر في رسوم الخدمات العامة (الماء والكهرباء) والتخلي عن كثير من الرسوم الحكومية التي تم فرضها خلال الفترة الماضية، إضافة إلى ترقية الموظفين العموميين بشكل تدريجي، وهذه كلها نقاط تجعلنا نُحسن النية في الحكومة، ونتفاءل معها بتخطي كل العقبات وصولا للرفاه الاقتصادي الذي وعد به مولانا جلالة السلطان- أبقاه الله.
وشكّل الملف الإعلامي نقطة ضعف بارزة خلال العام 2021، ولم يستطع إعلامنا مواكبة التطورات الهائلة فيما بات يعرف بـ"الإعلام البديل"، فشهدنا قبل أيام تداخلات غير حميدة بين الإعلام الرسمي ومجلس الشورى والإعلام الخاص، وهذا السلوك فتح المجال واسعًا للحديث حول حرية التعبير، ولكم أن تقارنوا حول من شاهد مقطع مقابلة أحد أعضاء مجلس الشورى مع محطة إذاعية محلية، وبين نسبة المشاهدة بعد قرار وزارة الإعلام الأخير بوقف المذيعة عن العمل، ولذلك نرى أهمية إعادة هيكلة الإعلام الرسمي؛ ليواكب الحدث ويكون ذراعًا قويًا لدعم خطوات الحكومة نحو التصحيح خلال الفترة المقبلة.
أيضًا شهدنا الحديث عن الفساد والمطالب بمحاسبة الفاسدين طوال العامين الماضيين، بينما لم تُقدم دعوى واحدة للادعاء العام من قِبل من يدّعون وجود فساد، ومن المعلوم أن المحاسبة تكون عبر قنوات قضائية تستند للإثباتات والأدلة الدامغة، ومع أننا نرى وجوب المحاسبة، إلا أننا لا نتفق مع رسم صورة سلبية في هذا الجانب، ونكران كل ما تم إنجازه من تنمية وإصلاح حقيقي خلال العقود الماضية من عهد النهضة المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.
حفظ الله بلادي.. وكل عام وأنتم بخير مقدمًا.