"بيروت 2020.. يوميات انهيار"

علي الرئيسي

في كتاب شريف مجدلاني الكاتب اللبناني الفرنكوفوني الذي يحمل عنوان "بيروت 2020.. يوميات انهيار"، والصادر عن دار "أكت سود" الفرنسية، والمترجم إلى الإنجليزية عن  طريق المترجم روث دافر، يؤرخ فيها الكاتب للفترة من يوليو 2020 إلى أغسطس 2020.

ويشمل الكتاب 75 فصلا قصيرا، ويسرد يوميات لمدينة وبلد يرزح تحت أزمة مستمرة ومستفحلة، إنه صيف كوفيد-19 مع الإغلاقات وغيرها، لكن مع ذلك فإن كوفيد-19 يلعب دورا صغيرا في هذه التراجيديا اللبنانية. فقد أدت هذه الإغلاقات إلى مزيد من تدهور أوضاع المؤسسات والأعمال الصغيرة، وهناك أيضا الأزمة المالية التي تعصف بالبلد، إضافة إلى الدين العام الهائل، وطبعاً النظام المصرفي الذي طال تأرجحه والآن في أزمة.

مجدلاني وعائلته يعيشون الأزمة كل يوم ويتكيفون مع الأوضاع هم ومعظم اللبنانيين، ومع  مرور الوقت وفي ظل الظروف المتغيرة للأسوأ، عامًا بعد عام. لكن مجدلاني وزوجته موظفان، أطفالهما يدرسون، يسهران  في الخارج مع الأصدقاء، ولذا تحتاج الأوضاع مرارًا وتكرارًا إلى الإصلاح في منزلهم. ومن المدهش أن العمال يأتون بسرعة ويعملون بكفاءة. وقد يكون النظام مليئا بالفوضى ولكنه ما زال يعمل بشكل مدهش على العديد من المستويات حتى في ظل انقطاع المياه و الكهرباء. وهنا وهو يسرد التفاصيل اليومية من مكيف تعطل إلى طباخ عاطل أو محادثة في شباك مصرفي، في هذه التفاصيل الصغيرة ينقل مجدلاني صورة قاتمة عن الحياة اليومية للناس.

يشير مجدلاني إلى أن الوضع الحالي هو محصلة عقود من الفساد السياسي، وهو اتفاق مريح لتقاسم السلطة كان ينظر إليه على أنه الطريقة الوحيدة للحفاظ على الاستقرار الذي كان نتاجه هو الإثراء الشخصي لمن هم في السلطة، مما أدى إلى تفريغ الوظيفة المدنية، حيث تستمر البيروقراطية المتضخمة في النمو مكتملة بالسخافات مثل: "إن مؤسسات كاملة لا طائل من وجودها، استمرت في الوجود، وسيتم تزويدها بالمديرين والأمناء والمسؤولين حتى يومنا هذا. الخدمات الإدارية للسك الحديدية، على سبيل المثال لا تزال تعمل على الرغم من عدم وجود سكة حديد واحدة أو قطار واحد في أي مكان في البلد لمدة ستين عامًا".

وحتى في الحالات التي يبدو فيها أنه اقتصاد موجه نحو النمو بقوة، هو في واقع الحال دليل على انحطاط كامل وتحول نحو نظام  حرية عدم التدخل غير المقنن، فيقول: "من النادر رؤية صراع يؤدي إلى زيادة مكثفة في مشاريع البناء التي للمفارقة كانت لها آثار مدمرة أكثر من الدمار والخراب الذي خلفته الحرب نفسها. لكن هذا ما حدث هنا حيث تكثر المفارقات. فخلال الحرب الأهلية، أدى إلغاء القيود الكاملة والفوضى وغياب أي رقابة في تطبيق القوانين إلى تمدين هائل، وذلك نتيجة للتحولات السكانية والمضاربة والاستهلاك الواضح الناجم عن تدفق الأموال من مبيعات الأسلحة، والمخدرات التي تسيطر عليها المليشيات ومن خلال التطور المكثف للسياسات التجارية غير المنظمة".

مجدلاني يشير إلى المشاكل النفسية الكبيرة التي يواجهها اللبنانيون نتيجة للأوضاع المعيشية، وخاصة أن زوجته تعمل في العلاج النفسي. والصعوبة التي تواجه المرء للتوازن النفسي، في ظل هذه الظروف السخيفة والمراوغة والتي ببراعة يتناولها مجدلاني من خلال "بيروت 2020".

تستمر اليوميات حتى 4 من أغسطس يوم الانفجار المدمر لمرفأ بيروت؛ وهنا يتوقف السرد، ويعود مجدلاني بعد أسبوع من الانفجار ليصف بلغة هادئة حجم الدمار الذي أصاب مدينته بيروت وتجربته الشخصية قائلاً: "ست سنوات دون وجود شفافية أو محاسبة، نتيجة ثلاثين عاما من الفساد والأكاذيب، من الممارسات المافوية، والتواطؤ بين مختلف الأجهزة الحكومية، مختلف الوزارات، والأحزاب السياسية وعملائها، ومخططات جيوسياسية خادعة، وإثارة حرب شريرة من قبل ميلشيات إجرامية متعطشة للدماء، كل هذا كان مركزا ومكثفا بطريقة مرعبة للغاية. ونتج عنه نهاية العالم التي دامت خمس ثواني".

خلال خمس ثوانٍ كانت حصيلة الدمار كالآتي: مائتان من الموتى، مائة وخمسون مفقودًا، ستة آلاف جريح، تسعة آلاف مبنى متضرر وزيادة على مئات البنايات الأثرية والتاريخية، أربعة مستشفيات، وعشرة آلاف محل تجاري، دكان ومطاعم ومقاهي، وحانة، صارت رمادا، وعشرات الأروقة الفنية، ومحترفات الرسامين، النحاتين، المصممين والمعماريين. ورغم الدمار الذي لحق بالمدينة والبلد إلا أن الأمور تستمر كما هي!!

الكتاب يقدم قراءة مُقلِقة ومحزنة عن لبنان المعاصر، ولكن للأسف الصورة مألوفة لأكثر من بلد في الشرق الأوسط والعالم!

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية