عبد الله العليان
لا شك أنَّ التغيير والتجديد، سُنّة إلهية في البشرية، فالحياة متغيرة في جوانب كثيرة لتغير الظروف والتحولات البشرية، لتجديد الكثير من الآراء والأفكار التي قد تدخل بعوامل الزمن وتأثيراته العديدة، لإيجاد الإصلاح المنشود الذي لابُد منه أن يتحقق لتواكب المسيرة طرقها الإيجابية الفكرية والسياسية وحتى الاقتصادية، دون إعاقات أو مثبطات، تحول دون هذا الهدف، ولذلك فإنَّ التغيير أو الإصلاح يعد من المطالب الأساسية لنهوض الأمة وتقدمها، ولا يعني أن هذا التغيير، هو ضد القيم والهوية الوطنية.
فالفارق كبير بين أن نفكر في الإصلاح والتغيير، وبين الإفراط في قيم الأمة وفكرها السائد الذي لا يحتاج إلى تغيير أو تبديل، لكن إصلاح الواقع مطلب في مسيرة الأمة، من أجل الحفاظ على هذه القيم المستقرة البعيدة عن الأفكار الجامدة، وتفعيل هذا الموروث العظيم من التقهقر والانكسار، إلى الانطلاق؛ لأن التجديد فيه وإصلاحه، من أهم المطالب في حياة الأمم.
ومن الباحثين الذين اهتموا بقضية الإصلاح والتغيير، الكاتبة الكويتية إيمان شمس الدين في كتابها القيم: "التغيير والإصلاح.. مطالعة في التأسيس والإشكالات والمعوقات"، وفي مقدمة هذا الكتاب، أشارت إلى حاجة البشرية للتغيير وإصلاح الأحوال القائمة كونها مطالب مهمة فترى الكاتبة أن "التغيير مطلب فطري إنساني وطبيعي، فالكون ليس ثابتًا؛ بل هو في حركة مستمرة، والطبيعة من حيث إنها بيئة ومناخات وكائنات تتفاعل كلها بعضها مع بعض، والتفاعلات عادة تنتج تغيرات مستمرة تتطلب تكيفات بيئية وبيولوجية، وهذه التكيفات هي بذاتها تغير يدل على الحركة لا على السكون".
وتضيف الكاتبة إيمان شمس الدين في هذا الحراك التغييري في راهن الأمة أنه جزء من التفاعل الخلاق، في حركة الحياة التي هي متغيرة- كما أشارت لذلك في المقدمة- ولذلك الإنسان كما تقول الكاتبة: "هو في حركة مستمرة، هذه الحركة متفاعلة أيضًا مع التغيرات الطبيعية من جهة، ومتفاعلة مع التغيرات الاجتماعية من جهة أخرى، وهذا التفاعل يتطلب حركة داخلية وخارجية تؤثر وتتأثر بكل المناخات سواء الطبيعية منها أو الاجتماعية".
ولا شك أنَّ التمهيد لطرح ما نريده من إصلاح وتغيير للواقع وتراكم جموده مع الأيام والسنين، تتطلب أن نبدأ من خلال الرؤى الدافعة والناجحة لما نريده إصلاحه، وأهم ذلك في ذلك نضع في اعتبارنا، كما تقول الكاتبة إيمان شمس الدين في الفصل الثاني من الكتاب: "أهمية التفكير في كونه المُوَجِّه لسلوك الإنسان وقبل ذلك مُوَجِّهًا لعقله، فالذهن هو المنطقة الحية التي تضج بالصور والأفكار، وهي منطقة صراع دائم بين الأنا والذات. صراع يؤدي إلى خلق أفكار كثيرة قد تتناقض تارة وتتلاقى تارة أخرى، وقد تؤدي في بعضها إلى سلوك خارجي اجتماعي، إما سلبي وإما إيجابي".
كما إن "...الإصلاح عبارة عن حركة تفاعلية وليست انفعالية بين الإنسان والواقع، فالتفاعل مع المتغيرات ومحاولة التدافع الإيجابي نحو النهضة، جزء من حالة التغيير؛ بل يشكل في كثير من الأحيان أصلًا، وتكتنز هذه الحركة عدة أبعاد؛ البعد الذهني الذي تتشكل فيه الأفكار المرتبطة بغايات الإنسان، أو ما نسميه المحتوى الداخلي للإنسان، وقد سلطت الضوء في الفصل الثالث على المحتوى الداخلي وأهميته ودور الإعلام في عملية التغيير".
لا شك أن الإعلام له دور مؤثر في فتح الآفاق والرؤى في إيجاد المنافذ المساندة غب التغيير المنشود، وينعكس على استجابته من الرأي العام كما تقول الكاتبة: "لذلك يلعب الإعلام دورًا هامًا جدًا في عملية التغيير، إما بطريقة سلبية وإما بطريقة إيجابية، خصوصًا أن اشتغاله غالبًا في بنية الأفكار ومناطق اللاوعي، وغالبًا ما يكون في راهننا تأثير الإعلام في عملية التغيير تأثيرًا سلبيًا، حيث يعمل على تغيير منظومة الإنسان فكريًا من خلال لاوعيه، ويعمل على إحلال منظومة مغايرة من الأفكار تولد لديه فهمًا آخر عن الكون، وبالتالي فهمًا آخر عن الإصلاح وكيف يكون، وأي إصلاح يستهدف، فقد يستهدف بكلمة الإصلاح، بعد تغيير منظومته الفكرية". فالأولوية في مسألة الإصلاح والتغيير مطلبه مهم في عصرنا الراهن على بعض الرؤى الأخرى واحتياجنا إليه ملحة، باعتباره من القضايا التي شغلت واقعنا العربي منذ قرن ونصف تقريباً، وما زالت تشغله حتى الآن لتغيير الواقع الذي ننشده، ويحقق التقدم والنهوض في عالمنا العربي، بعد تراجعات كبيرة مسيرتها التنموية وقضايا أخرى مهمة، بحيث يكون هذا الإصلاح نابعاً ومنطلقاً من داخلنا وليس فرضاً أو إجباراً من الخارج، لأن أية منطلقات إصلاحية أو تغييرية، لما هو أجدى وأنفع.
لقد نجحت الكاتبة إيمان شمس الدين، في طرح المشكلات والإعاقات في هذا الكتاب، وبما وضعته من تشخيصات مهمة لهذا المطلب في واقع وطننا العربي الكبير.