إسماعيل بن شهاب البلوشي
اللغة في عمقها أبعد بكثير من مجرد طريقة متحضرة في عالم الإنسانية للتخاطب والتفاهم بين متحدثيها، كما إنها أبعد عن السمة المسايرة لها من مفهوم الثقافة التي قد ينظر إليها البعض على أنه البعد المتناهي والأقصى لبيان الصفة الأصيلة للغة العربية مثلاً، وما تحمل فوق الغنى الذي تتمتع به، فإن لها روح يكفي فهمها من خلال جزء من حرف لتوضيح الكثير من أساليب التخاطب.
لقد تطورت اللغة العربية من ناحية وفقدت الكثير جدا من مفرداتها من ناحية أخرى، وليس لي البيان في المعرفة لأسباب ذلك، غير أن مفردات بعض القصائد من الماضي قد تستعصي حتى على خبراء اللغة، فهل لأنَّ متحدثيها انشغلوا بجوانب ولغات أخرى، أم أن الحضارة بشكل عام بين متحدثيها حدث فيها الكثير من التنازل؟
اللغة العربية يكفيها شرفاً أنها اللغة التي نزل بها كتاب الله هداية ورحمة للعالمين وهي اللغة التي تحدث بها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. ولكي لا أذهب بعيداً فإني أبعث بهذه الرسالة إلى كل محب للغة العربية؛ سواء أكان مسؤولاً أم معلماً أم شاعراً أم أديباً أم هو من المتحدثين بها، وعلينا أن نناقش هذا الأمر جميعاً ونوجهه إلى وجهته التي تستحق ذلك.
إن بعض الجوانب التي يشار إليها على أنها تحضُّر أو مدنية أو خصوصية، أحدثت أمراً سيكون تأثيره كبيراً وفوق تصور الجميع؛ بل إنه سيتسبب في تغيير أماكن ومعالم وحتى أسماء مدن ومفردات، ولن يكون يومها من السهل إعادة الأمور إلى نصابها، وإن الكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أدخلت اللهجة في الكتابة وبأسلوب غير مناسب أو مدروس ومن الجميع، فمثلاً يكتب شخصًا "سأراج" بمعنى "سأراك"، أو "وينج" بمعنى "وينك"، "الفلي" بمعنى "الفلج"، وكلمات لاحصر لها، أصبحت سمة الكثير ممن يرون في أنفسهم التحضر.
هذا الأمر وإذا رأيناه بوضوح، فهو تباين كبير في اللهجات حتى داخل البلد الواحد، لكنه ليس بالأمر السيئ؛ بل إن اللهجات واختلافها وكثرتها كنز من كنوز اللغة العربية. نعم هناك لهجات في الدول العربية وحتى بين شرق وغرب أي دولة منها، غير أن الكتابة هي الأصل الجامع لها، أما النطق فمن الطبيعي أن يكون على سمة اللهجة وهذا أمر أكثر من طبيعي.
الأمر الآخر الذي أردتُ تبيانه لأهميته، أن الأجنبي مثلاً في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نتعامل معه بلغة خاصة به، وصفها أقرب إلى اللغة المستنبطة من اللغة العربية، وهذا بعيد جداً لما يناسب الحفاظ على اللغة العربية وجمالياتها؛ بل وقوة وافتخار أهلها بها، وأكون في منتهى الوضوح عندما أقول إن دولتين خليجيتين انفردتا بأسلوب غير عادي في التعامل مع الأجنبي، فهم لا يتحدثون إلا باللغة العربية الفصحى معهم، ويمكنك أن تتعرف على الأجنبي الذي سبق وأن عمل في تلكم الدولتين وبكل وضوح؛ فالأجنبي يتحدث لغة عربية واضحة وبمفردات دقيقة ورائعة.
وأخيرًا.. إنَّ الحفاظ على كنوز عظيمة مثل اللغة العربية، يجب ألا يكون قراراً اختيارياً أو استنباطًا غير مدروس؛ بل إنه من ناحية قرارٌ جماعيٌ ومبني على توافق ومصلحة كل متحدث باللغة العربية، ومن ناحية أخرى فإنه على جميع المسؤولين والمعنين الرسميين، أن يقوموا بواجباتهم كما ينبغي نحو هذه الدرة الغالية والعظيمة.