أندلُسيَّة الهوى!

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

 

عرفتُ بأنَّني قتيلٌ..

فتَّشوا المقاهي، والمقابر، والكنائس.

فتَحُوا البراميل والخزائن.

سَرَقوا ثلاثة هياكل عظمية لينتزعوا أسنانها الذهبية.

ولم يعثروا عليَّ!

أَلَمْ يعثروا عليَّ؟

نعم

لم يعثروا عليَّ!

(شاعر إسباني)

طويتُ صفحةَ الكتاب، فكانتْ قصيدة "نبوءة موتي" للشاعر الإسباني فيديريكو جارسيا لوركا، لطالما جال بخاطري سؤال: "لماذا حالوت ولماذا أليخاندور؟"، ولا سببَ واضحًا لديَّ غير أنَّ الاسمَ الأول أصيلٌ في لغتي وثقافتي، والاسم الثاني لاتيني صِرْف ينسبني لغرناطة وأشبيلية، آخر المعاقل العربية الإسلامية، لعلَّها بعض أحلام لا تنقطع، أو لعلَّها تصوُّر للتمازج الرُّوحي، فهل يا تُرى أنا هنا أم هناك؟

(2)

الفلاح المنكوب أو الفلامنجو

التراثُ الإسبانيُّ الحديث، والفلكلور الإسباني الذي أُسِّس على النهب والذي تطُوف شعبيته بقاع الأرض، فكما  يُرجِّح الكثيرون أنَّ رقصة الفلامنجو الشهيرة ما هي إلا تحوير لكلمة "فلاح منكم"، ولعلَّه فلاحٌ طُرِد من أرضه وأُجبِر على تغيير مذهبه، فلخَّص عُصَارة نكبتِه وألمه في رقصة يفوحُ منها العبقُ الشرقي والمقامات الأندلسية الحزينة، تنتحبُ على أطلال قصورِ أشبيلية والمعتمد ابن عباد بصوت فيروزي نوراني يُذكِّر من نَسِي بـ"زمان الوصل بالأندلس"، فتعيدُ متأمِّلَ نكبةِ الفلامنجو إلى أزمنةٍ سحيقةٍ، تأبى أن تطويها ذاكرة الحداثة، وتغدو شوكةً في خاصرة العصر، تنثرُ في الأذهان رسائل ابن زيدون وأشعاره في الولادة بنت المستكفي.

(3)

البوشناق وخوان جويتيسولو

خوان جويتسولو الأديب والصحفي الإسباني، مواليد أشبيلية، ويتجلي اهتمام هوان بالحضارة العربية والإسلامية في كُتُبٍ أبرزها: "مشكلة الصحراء"، و إسطنبول العثمانية"، ورواية "مقبرة"، وكتاب "من دار السكة إلى مكة".  يعُود الفضل لجويتيسولو في كشف النقاب عن المجاز الصربية والتطهير العرقي لشعب البوشناق المسلم، وهو عكسُ ما كان يروِّج له الإعلام الغربي. حكى خوان في مذكراته عن حرب سراييفو، وكيف كان الجيش الصربي يكافئ جنودَه لقتلهم امرأة، وكيف تكون المكافأة مضاعفةً لقتلهم طفلًا، وتحدث عن مساهمة بريطانيا وفرنسا في التغطية على التطهير العرقي ضد البوشناق.

تواردتْ عِدَّة أسئلة أندلسية: ماذا عن التطهير العرقي والمجاز التي قبعتْ زمنًا في خزائن الغرب المتحضر منذ سقوط أشبيلية والأندلس؟

(4)

معركة العقاب

معركة "لاس نافاس دي تولوس"، أو معركة العقاب، التي أنهتْ الموحِّدين وخسروا الأندلس بها، ولا يزالُ يحتفلُ الإسبان في العشرين من يوليو كل عام بالسير في أشبيلية بموكب عسكري يحملُ "الراية الإسلامية" الغنيمة التي فازَ بها الإسبان بعد معركة العقاب، وهذا ما يُثير الاهتمام: هل هم شعوبٌ لا تنسى، أم نحن من تعمَّد النسيان، فنسعى إلى تبني عوالم جديدة برَّاقة غير أصيلة؟

(5)

كُنت هنا وهناك

لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ

 فلا يُغرُّ بطيبِ العيشِ إنسانُ

هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ

مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

(أبو البقاء الرندي)

هل في حديثٍ أيُّ منطق؟ أن تكون هُنا وهناك!

حسناً.. يقال إنَّ هناك ما هو أعظم من المنطق، إنَّه الخيال، وذلك حسب ما يقول ألفريد هتشيكوف.