اليقظة من "الحبّار"!

 

مريم الشكيلية

سمعنا مؤخرًا عن مسلسل كوري يحمل اسم "الحبار" تم بثه في شهر سبتمبر الماضي أول مرة، ومنذ ذاك الوقت أصبح الآن يتصدر قائمة أفضل عشرة عروض وأكثر مشاهدة في العالم بنحو 90 دولة واجتذب أكثر من 142 مليون مشاهدة، وقبله كان قد صدر فيلم "الجوكر"، وتحديدا في شهر أغسطس من العام 2019 وهو فيلم إثارة نفسية يظهر فيه البطل الشخصية الفاشلة الذي ينتقل إلى حياة الجريمة والفوضى.

من هذه السطور قد يعتقد القارئ أنني أشرع في كتابة مقال عن الأفلام أو أنني بصدد إعلان عنها لا أيها القارئ الكريم هذه كانت مقدمة لمقال أردت أن أسلط الضوء على غازٍ يغزو فكر ووقت وسلوك أبنائنا وتحديدًا المراهقين منهم سطور أردت من خلالها توعية أولياء أمور أبنائنا وقد سمعنا عن أحداث هنا وهناك عن وقائع مفجعة وأحداث مؤلمة هزت أسر وعُمان ليست بمنأى عن هذه الأحداث كون أن العالم اليوم متواصل بالشبكة العنكبوتية الإنترنت وبرامج التواصل وأجهزة إلكترونية وغيرها، فقد يستغرب البعض من أن هذه الأحداث تحدث أو أنها فعلاً قد حدثت بسبب جهاز كمبيوتر ومن مشاهدة لا ليس مستغربا اليوم وحان الوقت لدق ناقوس الخطر فهذه الأفلام والمسلسلات والألعاب الإلكترونية هي خطر حقيقي يهدد النسيج الأسري وتؤدي بأبنائنا إلى مسالك الهاوية.

إن المتتبع لفكرة هذه الألعاب والأفلام لوجد أنها السقوط السهل لفئة المراهقين وكأنها متنفس لهم وهي بشكل أو بآخر تعيد تشكيل أفكارهم وسلوكهم ومعقتداتهم بحيث يصبحون دون إدراك منهم أسرى لقوانين اللعبة أو أحداث الفيلم ولو أنَّ هذه النوعية من الأفلام أفلام عادية لما انتشرت الشرطة الأمريكية خارج قاعات السينما في وقت عرض فيلم الجوكر مخافة من أي هجمات تهدد حياة الناس وأيضاً لما كنَّا قد سمعنا ووصلت إلينا قصص لحوادث كان سببها هذه الأفلام ومثال للحصر فقط قصة الشاب الأمريكي في مقتبل العمر الذي قتل عددا من الناس بعد أن اقتحم المكان وكان يرتدي زي الجوكر وحين ألقي القبض عليه أخذ يردد أنا الجوكر أنا الجوكر وعند البحث عن حياة هذا الشاب اتضح أنه قد عانى لفترة من تنمر الآخرين عليه وأنه من متابعي ومحبي شخصية الجوكر هذا فقط مثال واحد والقائمة تطول بمثل هذه الأحداث قد يسأل سائل إذا كانت هذه الأفلام والألعاب لها القدرة على هذا التأثير القوي في فكر وسلوك الأبناء لماذا أصلا هي موجودة من الأساس ولا سيما في الدول التي أصدرتها لماذا نقتل أنفسنا بأيدينا كما يقال.

أقول إن الشركات المنتجة لهذه الأفلام والألعاب هي في الأساس شركات ربحية وما تسعى له في المقام الأول هو المال وعائدات هذه الأفلام مربحة جداً وخيالية دون النظر إلى التأثير الذي تتركه على النشء وعلاوة على ذلك أن فئة المراهقين وبحكم أعمارهم ومرحلة شخصياتهم تجد هذه الأفلام أرضاً خصبة لديهم لأنهم في بداية تشكيل شخصيتهم المستقلة وردات أفعالهم في هذا السن تكون متسرعة وتحكمهم عواطفهم وأي خطأ في حقهم بقصد أو بدون قصد أو أي تقصير في حقوقهم تكون ردات أفعالهم غير محسوبة وأيضا هذه الألعاب في محتواها تغريهم بالمال لإقتنائها كما في لعبة الحبار من شروط اللعبة أن تصل إلى كل مراحلها لتجد مكافأة مالية قد تصل للملايين وهذا أمر يجعل عقول النشء تتهافت عليها أموال يمتلكها بدون جهد منهم وفي فترة قصيرة ولكن في المقابل موت اللاعب إذا خسر اللعبة هنا قد لا يصدق أن هذه العب جدية إلا في ما يخص المال أما في النهايات الكارثية فلا يصدقها لهذا هو يجاذف ويلعبها.

إن هذه الأفلام والألعاب لها مراحلها في التأثير والمدمن عليها أو المداوم على مشاهدتها لا يظهر تأثيرها عليه من البداية وإنما شيئاً فشيئا تغير سلوكه ودوافعه فيجب على أولياء أمور الأبناء أن يتنبهوا ويكونوا على دراية بمحيط  أبنائهم وسلوكياتهم وحتى الانتباه لما يرددونهم من أقوال فقضاء أغلب أوقاتهم تحت شاشات الكمبيوتر مما يجعلهم في عزلة عن محيطهم وأسرهم بشكل واضح وملموس أو ملاحظة تغير في السلوك مثال ملاحظة سلوك عدواني في أبسط الأشياء وردات أفعالهم هجومية مبالغ فيها وأحاديثهم عن من حولهم وسلوكهم في المدرسة والبيت ومع أصدقائهم كل هذه وغيرها من البوادر التي تجعل أولياء الأمور متوجسين من هذه السلوكيات ومصدرها مما يجعلهم في قلق وهي إشارات حتى يحمل الآباء والأمهات تصرفات أبنائهم على محمل الجد والتدخل في الوقت المناسب قبل تفاقم الأمر بحلول ناجعة، أما بالجلوس مع الأبناء ومحاولة فهمهم ومحاولة حل مشكلاتهم بالطرق الهادفة والصحيحة ومحاولة خلق بيئة مطمئنة داخل الأسرة وبعيدة عن المشاحنات وتكاتف جهود الوالدين لإبعاد الأبناء عن مشكلاتهم وخلافاتهم. والاهتمام بمواهبهم واحتوائهم قدر المستطاع.

هذا دور الأسرة أما دور المجتمع فلا يقل أهمية عنها فهو الدعامة التي تستند عليها الأسرة فيجب على المثقف والإعلامي والأشخاص المؤثرين في المجتمع أن يقدموا الدعم والنصح وإطلاع الأسرة على مخاطر مثل هذه الأفلام والألعاب فلا يكفي حجبها فحسب لأن هناك طرق ملتوية بعد أن وجدت هذه البرامج والأجهزة بشكل واسع وهذا الفضاء المتسع كما يقال العالم قرية صغيرة.

لا بُد من إيجاد مراكز تأهيل تعنى بتأهيل الفرد من جديد وتقديم المعالجة من تأثير وإدمان هذه الأفلام والألعاب وغيرها بدون أي خجل أو شعور الأسرة والمجتمع بالدونية.. حفظ الله الجميع من كل سوء.

تعليق عبر الفيس بوك