من يقدر على إرهابيي ليبيا؟

 

د. رفعت سيد أحمد

منذ بدء ما سمي بـ"الربيع العربي" في العام 2011، والبلاد العربية المركزية تعاني من الجماعات الإرهابية التي تلتحف برداء الإسلام والثورة زورًا وبهتانًا، وكانت ليبيا وسوريا من أكثر تلك البلدان التي اجتاحتها تلك الجماعات المجرمة وخلفت وراءها خرابا ودمارا يحتاج لعشرات السنين كي يعالج ولكي تقوم البلاد وتنهض.

وليبيا -على سبيل المثال- التي غزتها تلك الجماعات المسلحة والتي ربا عددها على الـ1600 جماعة كلها تتسمى بأسماء إسلامية أو أسماء ثورية رغم أنها أبعد ما تكون عن الإسلام والقيم الثورية، هم قتلة وزارعو فتن وفوضى، أساءوا لهذا الدين الطاهر وشوهوه قبل أن يسيئوا إلى أي شيء آخر، هذه الجماعات استهلكت كل أسماء الصحابة والتابعين الكرام حين أطلقت أسماءهم على جماعاتها الخارجة عن جوهر الدين ورسالته، هذه الجماعات اليوم تحاول أن تعرقل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في ليبيا يوم 24 ديسمبر الحالي؛ لعلمهم أن الشعب الليبي سيسقطهم لصالح خيار الدولة والجيش الوطني، وأنه ينحاز لخيار الرئيس القوي والجيش القوي وليس لخيار تنظيمات الإرهاب السياسي والمسلح من الأخوان وأنصار الشريعة وصولاً إلى داعش والقاعدة.

هؤلاء القتلة من تنظيمات الإرهاب والعنف لا حل معهم سوى الاستئصال والبتر لأنها إن تركت حرة الحركة فستحول ليبيا إلى ساحة للفوضى والخراب. في هذا السياق أستشهد بما قاله قبل أيام محمد الزبيدي، المحلل السياسي الليبي، من أن الجميع في ليبيا يعلم أنَّ القائد العام للجيش الوطني الليبي المُشير خليفة حفتر، أعلن في 4 أبريل 2019، بدء عملية عسكرية جديدة في ليبيا وتزامن ذلك مع التحضير لهجوم على طرابلس بهدف وضع حد للإرهاب المستمر ووجود المرتزقة الأجانب في ليبيا، وبعدها اندلعت معارك بين حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وقوات الجيش الوطني الليبي، موضحًا أنه في عام 2020، وتحت رعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بدأت مفاوضات وقف إطلاق النار بين الجانبين.

وأضاف الزبيدي في تصريح مهم لجريدة الوطن المصرية أنه على الرغم من سيطرة المشير خليفة حفتر على الوضع في المنطقة الشرقية من البلاد، إلا أنه نجح في لفت انتباه الأمم المتحدة إلى مشكلة الإرهاب والمرتزقة الأجانب في ليبيا، حيث بعثت الأمم المتحدة في 10 يونيو 2020، رسالة تسأل عن دور شركات الأمن الخاصة في تجنيد المرتزقة والأطفال وإرسالهم إلى ليبيا. وتابع: «أن الرسالة أكدت أن أطراف خارجية استخدمت مرتزقة سوريين للمشاركة في الأزمة في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، كما أضافت الرسالة أيضا استخدام الأطفال السوريين لأغراض خاصة، حيث يتم تجنيدهم للمشاركة في العمليات العسكرية.

وفي الوقت الحالي رفضت أطراف خارجية سحب قواتها العسكرية من الأراضي الليبية علاوة على ذلك، وفقًا لمركز أبحاث «غراي ديناميكس».

مرتزقة ليبيا أعضاء فى «الأخوان وداعش»

والمعلومات الواردة من ليبيا تؤكد أن قوات الجيش الوطني الليبي حاولت بكل طريقة ممكنة الحد من عدد المرتزقة على الأراضي الليبية، ومن المعروف أنه في الوقت الحالي، تتعاون الأمم المتحدة مع الحكومة في ليبيا.

 والمعروف أنه في 28 أغسطس 2021، عُقد اجتماع بين المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ناقش الطرفان خلاله المستقبل السياسي لليبيا وهذا ليس التفاعل الأول بين الأمم المتحدة والحكومة الليبية، ففي أغسطس 2021، أعلنت الأمم المتحدة أن المنظمة ترحب بحماية «النهر الاصطناعي» في جنوب البلاد من قبل قوات الجيش الوطني الليبي.

كما ذكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم إلى ليبيا أن الكتيبة 166 من الجيش الوطني الليبي ولواء طارق بن زياد من قوات الجيش الوطني الليبي كانت مسؤولة عن حماية المجرى المائي.

إخوان ليبيا

إن الوثائق القادمة من ليبيا قبل أيام من الانتخابات البرلمانية والرئاسية تؤكد أن عملية إخراج المرتزقة من الأراضي الليبية وكذلك حل المليشيات المسلحة يقف حجر عثرة أمام أي جهود تستهدف الحل السياسي في البلاد والذي يبدأ بالانتخابات، لذلك جددت القوى الدولية مطالبها بضرورة العمل على تجفيف مصادر تمويل الإرهاب في ليبيا.

والمعلومات المتاحة أيضاً تؤكد أن تنظيم الأخوان بقيادته الجديدة يرعى ويمول الإرهاب والسؤال من هي القيادات الجديدة وهل هي امتداد لماضي الأخوان الأسود أم هي جديدة سلوكا وفكرا؟ بعودة قليلا للتاريخ تقول الحقائق إن أول مراقبي الأخوان كان عطية جبر وبعده كان إدريس ماضي وهو أول مراقب ربط الجماعة بالتنظيم العالمي للأخوان المسلمين عبد الله أحمد عز الدين، عبد المجيد أبوروين، سليمان عبد القادر وبشير الكبتي (الذي انتخب من الجماعة في نوفمبر 2011 كأول مراقب للأخوان ينتخب في مؤتمر علني داخل ليبيا) اليوم في (2021) انتخب حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لتنظيم الأخوان، القيادي المتطرف عماد البناني رئيسا جديدا للحزب في ليبيا.

وبحسب بيان عاجل للحزب المنتمي للجماعة المصنف إرهابيا من قبل مجلس النواب، والمنحل بقرار لجنة شؤون الأحزاب بوزارة العدل فإنَّ أعضاء المؤتمر العام للحزب اختاروا عماد البناني رئيسا جديدا للحزب خلفا لمحمد صوان.

وكانت المنافسة على رئاسة الحزب قد انحصرت بين عماد البناني وسليمان عبدالقادر ليدخل المتنافسان في جولة ثانية من التصويت ليحسمها البناني.

من يمول الإرهاب في ليبيا؟

هنا نتوقف لنسأل من يمول الإرهاب في ليبيا؟ لكي نستطيع بعدها الإجابة عن كيفية مواجهة الإرهاب من خلال تجفيف منابع تمويله قبل الانتخابات؟ هنا تؤكد الوثائق المتاحة أن ثمة تنوع في مصادر تمويل الإرهاب، ما بين الاستيلاء على المال العام عبر قيادات نافذة في عدة مناصب وجميعهم من قيادات جماعة الإخوان الإرهابية والتي لاتزال تحكم طرابلس وما حولها! وهي قيادات سهلت الاستيلاء على أموال الشعب لصالح التنظيمات الإرهابية، بحكم مناصبهم منذ عام 2011، كما تعتمد بعض المليشيات على التجارة غير المشروعة سواء في عمليات الاتجار بالبشر والهجرة أو السلاح.

وتأتي جماعة "أنصار الشريعة" المجرمة والإرهابية والتي تأسست في 2012، والتي ضمت فيما بعد جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى مثل، مجلس شورى ثوار بنغازي ومجلس شورى مجاهدي درنة ومجلس شورى ثوار أجدابيا وسرايا الدفاع عن بنغازي، واحدة من أهم وأخطر التنظيمات التي حصلت على تمويلات مليارية من دول خارجية دعمت الحرب في ليبيا، وأيضًا جراء استيلاء عدد من المسؤولين المتحالفين معها على المال العام ووضعه تحن سيطرتها.

أما الجماعات الإرهابية الأخرى وفي مقدمتها تنظيم "داعش ليبيا" والذي نشأ في أكتوبر 2014، فقد حصل على أموال ضخمة جراء عمليات سرقة ونهب متلاحقة، أبرزها كان السطو على مصرف الصحاري والوحدة في مدينة بنغازي عام 2013، حيث تم سرقة نحو (53) مليون دينار ليبي، إضافة إلى (12) مليون دولار، ونحو (5) ملايين يورو، واستولى على طائرة حملت (62) مليون دينار ليبي و(15) مليون دولار لدعم المصارف في سرت ودخول السلاح إلى ليبيا، كذلك خطف رجال الأعمال وابتزازهم، فضلاً عن الدعم الذي كان يتلقاه من التنظيم الأم في سوريا والعراق، وفق ما أورده تقرير صادر عن مركز أوروبي لمكافحة الإرهاب.

وظهر مجلس شورى ثوار بن غازي في عام 2014، فيما رصدت تقارير دولية تهريب شحنات ضخمة من السلاح والذخيرة عن طريق البحر، ولا تزال تلك العمليات مستمرة رغم القرارات الدولية بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا.

أما مجلس شورى مجاهدي درنة، فيستمد تمويله عن طريق الدعم الخارجي المباشر من تنظيمي "داعش والقاعدة".

وفي مقال لجريدة "واشنطن تايمز"، قال دانيال هوفمان وهو مسؤول سابق في المخابرات الأمريكية، إن الفساد داخل النظام المالي الليبي (المصرف المركزي الليبي )لا يزال يمثل حجر عثرة رئيسية أمام مسار البلاد نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا.

خلاصة الأمر إذن وفقاً لما تقوله قراءة الواقع السياسي الليبي اليوم وقبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية- إن لم تؤجل وهو أمر محتمل جدا- أن الوسيلة الوحيدة القادرة على مواجهة الإرهاب الداعشي والأخواني في ليبيا وتجفيف منابع تمويله تتمثل في تحقيق أمرين رئيسيين الأول: الديمقراطية الحقة التي تأتي برئيس قوي وبرلمان حقيقي يمثل كل الشعب والأمر الثاني: الاعتماد على الجيش الوطني الليبي في مواجهة الإرهاب وجماعاته المجرمة من أنصار الشريعة والأخوان وصولا إلى داعش. هنا فقط يبدأ الحل ويجد الشعب الليبي العظيم أمانه واستقراره. والله أعلم.