استثمروا في الاستدامة قبل فوات الأوان

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

اليوم وفي عالم الدول وبنائها ورسوخها، فإنَّ التأسيس للاستدامة الثابتة والقوية في كل شيء لا يمكن أن يكون وليد اللحظة، وأغلب الفرص لا يمكن تعويضها مع سرعة الزمن وكثرة الأحداث، غير أنَّ الرؤية البعيدة من مفكرين ومخططين مخلصين للأوطان ذوي نظرة ثاقبة يعوّل عليهم الكثير، في هذا المجال الذي يعد من أسس استدامة الدول وفي كل المجالات وخاصةً الاقتصادية التي هي فيصل هام في استقرار ونهضة الدول.

حينما يطرح أحد منا حديثاً عن دولةٍ ما ويركز على نجاح التعليم والصحة أو حتى النظافة العامة والطرق الممهدة والكثير من الجوانب يكون فكرنا محدداً فقط على النتائج والمقارنات ونتناسى جميعنا الأسس ومصادر التمويل ولقد وصفت معظم بلاد المنطقة بأنها نامية، وكل ذلك ينظر إليه مباشرةً أنها تبني وستصل إلى ما تتمنى.

لكن الحقيقة التي أريد أن أبيّنها وأوضحها- بل وأنبه عليها الحكومات والدول- أننا في الحقيقة لا نقوم إلا بتوزيع ميزانيات ومداخيل الأوطان بالقدر الذي يساير الحلول التي نراها أكثر إلحاحًا ليس إلا، أمّا بناء الاستدامة فإننا نسير فيه بتواضع واستحياء، ولم نعطه ما يستحق من الاهتمام والعمل. هنا لا أتحدث عن صناديق الاستثمار السيادية أو حتى مؤسسات الاستثمار الرئيسية على مستوى الدول، إنما أركز على الاستثمار المؤسسي والتي نتعلم من خلالها جميعاً قيمة المال في جمعه وأفضل الأسلوب في استخدامه، ولذلك نعيش اعتقاد النجاح عندما نعيّن أي شخص في منصب ما وفقط لأنه يحمل شهادة معينة، ويسيِّر الأمور، ونقرأ من خلالها ذلك الاعتقاد من النجاح؛ لأنه الأبعد في طموحنا المحدود في ذلك المجال وليس قياساً بأفق وأمنيات مستدامة أكثر وأبعد طموحًا.

لو أن أيًا منّا يقرأ تاريخ أي جامعة عالمية أنتجت العلماء والحلول والاختراعات مثل الأدوية وغيرها، لوجد أن تلك الجامعة لها تاريخ في طريقة تأسيسها والتبرعات من الأغنياء ووجود أصول وأملاك وكذلك وجود أرضية استثمارية لعملها الاعتيادي، مما يمكنها من تقديم حزم علمية عالمية بل وتبرعات. وهناك من العقول الاستثمارية من يدير تلك الجوانب وبطرق احترافية وهي بعيدةً كل البعد من أن تنتظر إعانة أو مبالغ مالية من جهة محددة مثل الحكومة، إلا في حالات خاصة. ومن هنا تبدأ فكرة القوة والاستدامة المالية للمؤسسات التي تجعل من مستواها وقوتها وتماسكها وما تقدم من نتائج في الصعود إلى القمة وفي جميع النواحي.

ومن هذا المثل يتم قياس المدارس والمؤسسات وحتى الوزارات في الكثير من الأوطان ولو أخذنا المثل نفسه وأسقطناه على وزارة التنمية الاجتماعية تحديداً كرواتب الضمان الاجتماعي والذين سيستحقون منِّا جميعاً نظرة ووقفة إيجابية لتكون حياتهم أفضل. فماذا لو أن هذا النوع من الاستثمار تم إعلانه بطريقة منظمة وعلى أيدٍ أمينة وليس من خلال توصيف علمي بغرض ما يتقاضى وما يكسب وفتح من خلالها كل طرق الخير من أهل الخير؟ فماذا يمكن أن يكون بعد عام أو 10 أعوام أو مئات السنين؟ أليست النتيجة هي استدامة ثابتة لا تنتظر كل شيء من الحكومة؟ وماذا ستكون النتيجة لو تم تطبيق هذا المثال على كل مدرسة أو مؤسسة أو وزارة وتم اختيار فرق بنفس الصفات التي أهمها الأمانة والمعرفة الفعلية؟ ماذا لو تم تخصيص معظم الأراضي المتبقية وخاصةً التجارية منها لهذه الأغراض؟ ماذا لو تم تفعيل موضوع الوقف الحالي الذي كتبتُ عنه وأوضحتُ جانباً منه قبل فترة من الزمن تحت عنوان "افتحوا ملف الوقف".

وأخيرًا.. فيما يتعلق بالجانب المالي واستدامة الاستثمارات وقوتها، فإن الدعم الحكومي لا يُمكن أن يكون إلى الأبد، ورسوخ الدول على المدى البعيد ووصفها بدول المؤسسات لا يمكن أن يكون إلا بمقدرة تلك المؤسسات على الاعتماد الكلي أو شبه الكلي على نفسها ورعاية الحكومات المالي للمؤسسات هو بمثابة رعاية الأشجار الصغيرة إنما عليها أن تظل من حولها عندما تكبر بل وتشارك في إطعام الآخرين من ثمارها.