د. خالد بن علي الخوالدي
يوم القوات المسلحة الذي يوافق 11 ديسمبر من كل عام، ليس يومًا عابرًا ولا أغنية وطنية أو هاشتاج (وسم) على وسائل التواصل الاجتماعي ولا موسيقى عسكرية أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني وصفحة في صحيفة فقط؛ بل إنِّه أكبر من هذا بكثير، إنه يوم النصر والعزة والرفعة، إنه يوم وطني بامتياز، إنه يوم لكل عمان وتاريخها الناصع بالبياض والفخر والكرامة إلى جانب أنه يوم مقدس لقوات السلطان المسلحة التي لها كل التحية والمحبة على دورها الكبير في الذود عن حياض الوطن.
لقد مرَّت ذكرى يوم القوات المسلحة عابرة على الكثير من أبناء هذا الوطن العزيز؛ بل إنَّ شباب هذا الجيل لا يدرك ولا يعلم مدى الجهد والتضحيات التي قدمت في التصدي للفكر الشيوعي الذي لولا فضل الله ونصره ثم فضل جنودنا البواسل لعمَّ هذا الفكر بلادنا الغالية، وكل دول الخليج العربي حيث كانت عمان البوابة الأولى لهذا المد المدعوم من عدد من الدول في الشرق والغرب، وقد استطاعت قواتنا المسلحة والفرق الوطنية أن تكون الجسر العنيد والثابت الراسخ أمام هذا الطوفان الخطير والمدمر والذي سيقوض الشريعة الإسلامية من جذورها وسيعود بنا إلى العصور الجاهلية بما يحمله من فكر هدام ومصادم للدين.
إنَّ يوم 11 ديسمبر من أيام عمان الخالدة التي لا تنسى ولا يمكن أن تكون ذكرى عابرة؛ بل علينا تعليم أبناءنا الطلبة في المدارس والجامعات والكليات عمّا قدمه- آنذاك- جنود عمان الأوفياء من بطولات بقيادة خير الرجال وأنقاهم السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- الذي تولى زمام القيادة في الميدان مشاركًا وفاعلًا وموجهًا ومُنسقًا لكافة الجهود الوطنية والجهود الأخرى التي شاركتنا من الدول العربية والصديقة، فكان لهم ما خططوا له وهو النصر المبين لتضع الحرب أوزارها في هذا اليوم المبارك الذي أحسبه من أهم الأيام التي يجب أن تخلد في عُمان، فمن أجل هذا اليوم قدم الشهداء أرواحهم رخيصة وما يزال هناك مصابون من هذه الحرب وجرحى تنزف قلوبهم حباً لهذا الوطن الغالي ومستعدون لتقديم المزيد والمزيد للحفاظ على وحدة هذا الوطن ومقدساته.
إنَّ ذلك الجيل الذهبي يتذكر يوم 11 ديسمبر 1975 بشموخ وعزة وفخر؛ حيث أعلن السلطان الراحل في خطابه الوطني الأشهر عن النصر المبين فقال "إنني أحيي تجمعكم الحماسي هذا وأهنئكم تهنئة العزة والكرامة، على اندحار أذناب الشيوعية من تراب وطننا العزيز، وشاء الله أن يكون هذا الانتصار مسك ختام احتفالاتنا بالعيد الوطني الذي افتتحنا فيه بحمد الله مشاريع عمرانية عديدة. كما شاءت إرادة الله الحكيمة أن يكون انتصارنا هذا فاتحة سعيدة نحتفل فيها بعيدين مباركين.. عيد النصر وعيد الأضحى المجيد، فلذلك أهديكم التهنئة المزدوجة بالعيدين معًا.تهنئة طيبة ومباركة تشير بالأمن والاطمئنان بعيد الأضحى المجيد مقرونة بتهنئة متوجة بالكرامة والاعتزاز بعيد النصر المبين.. إني إذ أحيي احتفالكم اليوم وأبارك انتصاركم على عصابة البغي في جزء من الوطن العزيز، فإنني أبارك هذا الانتصار لا لأنكم طردتم المعتدين من البلاد فحسب بل ودحرتم مخططات الشيوعية العالمية ونكتسم رؤوس الإلحاد التي ظنت أنها لن تغلب، لذلك فانتصارنا هذا بحمد الله هو أول انتصار على الشيوعية العالمية تقوم بها دولة عربية في ميدان القتال، في حرب دامت سنين طويلة وثاني انتصار تقوم به دولة عالمية. وإنه لخير عميم أيها الأبناء أن تطهر البلاد من الفساد الشيوعي، إنه لخير لنا ولعله خير لجيراننا أيضًا، إذ عرفناهم الحق وانتشلناهم من أوهامهم في تأييد ومؤازرة أناس مفسدين يقومون بالرعب والقتل والدمار في جزء من بلاد آمنة مُطمئنة، يقتلون إخوة لهم ويسلبون أموالهم ويخربون بيوتهم لا لشيء إلا للرعب والنهب والخراب، فأرجو أن يعلم جيراننا أننا صادقون فيما قلناه أولا وصادقون فيما نقوله أبدا. إنه من الخير لجيراننا ونحن نحتفل بعيد الأضحى من الخير أن يضحوا بأهوائهم الباطلة ومعتقداتهم الفاسدة وأفكارهم المشوشة ومبادئهم المستوردة عسى الله أن يتقبل منهم ويعوضهم أمناً في ديارهم وبركة في ثمارهم وعافية في أجسامهم ليستريح شعبهم من التشرد والجوع والمرض الجهل....إن انتهاء فلول الشيوعية من جبال ظفار ليس معناه انتصارا على شراذم قليلة قاموا بالبغي والفساد فحسب، ولكنه كشف واضح لحقيقة ثابتة وهي أن عماننا العزيزة أرض طاهرة لا تقبل بذور الحركة الشيوعية مهما حشدوا لها من طاقات، وانتصارنا هذا يؤكد فشل الحركة الشيوعية في عُمان وذلك من فضل الله ولله المنة". (انتهى الاقتباس).
الخطاب في حد ذاته منهج يدرس ويشرح ويحلل ويمكن إعداد كتب ومجلدات فيه، فالجيل الحالي من حقه أن يعرف عن هذه الحرب، كيف بدأت؟ وكيف انتهت؟ ومن شارك فيها؟ وما دوافعها وتوجهاتها؟ وفي هذا العهد المتجدد بقيادة مولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- علينا أن نرسخ مثل هذه المناسبات الوطنية في نفوس جيل الشباب؛ ليعرفوا تاريخهم وانتصاراتهم، ولينطلقوا من أرض صلبة وثقة كبيرة نحو المستقبل المشرق.. ودمتم ودامت عمان بخير.