أجهزة الرقابة.. هل تحتاج إلى رقابة؟!

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

المؤسسات الرقابية على مستوى العالم هي تلك المفاصل الهامة في مسيرة أي وطن وهي بمثابة الفيصل الواضح الذي يعلن أن كل إنسان في ذلك القطر سيحاسب على التقصير دون هوادة أو خنوع، وأنه أيضاً سيكافأ على صنيع عمله الرائع بما يستحق من مكافأة، وأن للإنسان أن يتساءل حينما يستمع بين الحين والآخر من بعض الدول أنها تقوم بأعمال وتقصٍ وضبط لتجاوزات إدارية ومالية وتقدم رسالة للقريب والبعيد وللداخل والخارج، أن مسار الدولة الإداري والمالي لن ينجو منه أحد في حالة الإخلال به، وذلك من خلال تنفيذ مهام واكتشافات معلنة وصريحة؛ بل وجريئة وشبه يومية واتخاذ إجراءات رادعة وأحكام مُعلنة وصور للمخالفين.

وفي جانبٍ آخر  نرى دولاً أخرى وبإعلان صريح أيضًا أن هذا النوع من الإعلان يعد تشهيرًا، في حين أن المشكك في مثل هذه الإجراءات الرادعة من مسؤول أو متابع لم يعنّي نفسه مجرد التفكير في مصالح الأمم وبقائها كجمع بشري يستحق الحياة الكريمة، وكذلك فإنه لم يحمل نفسه عناء تحميل مسؤولية ذلك إلى صاحب الفعل الحقيقي، وهو المخالف، الذي كان يعلم أنَّ مصيره التشهير في نفسه ومن حوله في حال التجاوز ويعود اللوم عليه وهو من بدأ ولم يضع حساباً لأهله أو من هم حوله.

الأمر الآخر والأهم ببعيد حتمًا، هو أنَّ هناك بعض الدول ترفع تقريرا سنوياً للسلطة الأعلى في البلاد- أي الحاكم- وأن المواطن والمتابع يقرأ قصاصة ورق يُعلن فيها أنه تمَّ رفع التقرير السنوي وبه عدد كذا من المخالفات. هنا علينا أن نقف برؤية فاحصة وعاقلة ومتابعة ونتساءل: هل هذا الأمر إيجابي أم سلبي؟ وهل هو حامٍ ومنظم ومقنن للتجاوزات أم مانع لها؟

في رؤيتي الشخصية أن هذا الأمر وإذا كانت بعض الدول ترفع هذا التقرير لتنتظر قرارًا آخر ومن شخصٍ واحد أو من مكتبه، فبعد حينٍ من الزمن هذا النوع من الدول لن تتقدم ولن تنجح في اجتثات الفساد؛ لأن من يقوم بالتجاوزات يستخدم الذكاء السلبي، وبالتالي هو قارئ متمرس في الثغرات والقانون، ويعلم علم اليقين أنَّ لديه فسحة من الزمن ومساحة مناسبة من التشريعات والقوانين كي يناور وينجو من أفعاله، في حين أن الإجراء الصحيح هو التعامل الآني أولاً بأول، من خلال صلاحيات واسعة وإجراءات قانونية رادعة وسريعة دون تمييز مطلقاً.

هناك بعض الدول التي لديها أجهزة أمن تقوم بعمل مُتميز ومُحترف وتعلم وبكل جلاء حتى عن نسبة السكر في الشاي الذي يشربه الموظف، وقس على ذلك كل شيء، وتقوم هذه الأجهزة بكتابة التقارير أيضًا، وتشغل نفسها ودوائرها عملاً وكتابات لا حصر لها، مما يوحي لها وللقيادات الأعلى وللجميع بأنها تقوم برفع التقارير التي يقتنع من خلالها الجميع أنهم أكملوا مكارم الأخلاق، وأن الملايين التي تُدفع لهم في مكانها ومُستحقة، وهذا الأمر أيضاً يقع تحت نفس رؤية سابقتها؛ حيث إن الجميع ينتظر من مكان ما الحل والعقاب، ويشعرون أنهم قاموا بأعظم الأعمال، غير أنه عمليًا لم يتم أي شيء، فنفس الموظف الذي كان محل المثل سابقًا يقوم بالكثير من التجاوزات وتأخير الأعمال وتعمد ضياع الفرص، وما زالت التقارير تتوارد عنه، فماذا فعلنا بالأموال التي فُقدت على هذه الأجهزة؟ وهل وجودها مفيد أم أن نظام التواصل والمعرفة والتطبيق بين الدوائر الحكومية في بعض الدول بحاجة إلى إعادة هيكلة وتنظيم استراتيجي يجعل من الاستفادة منها أكثر جدوى ويقسم عملها مُناصفةً بين المعرفة واتخاذ ما يلزم من إجراءات حيال تلك المعرفة.

وإذا كانت الغاية تتحقق من خلال رفع التقارير، فعلى جميع الأجهزة أن ترفع التقارير فقط وتنتظر القرار مثل الجرائم والأحداث اليومية التي يكشف عنها رجال الشرطة مثلاً، وعلينا أن ننتظر لكل واحدة قرارًا من جهة أخرى، وبذلك سنعلم عن المساحة التي هي بحاجة إلى تغطية وقرارٍ مُناسب.

وأخيراً فإنَّ العمل الصحيح لكل جهة حكومية هو رفع تقارير النتائج والإنجازات والحلول، وليس التقارير التي تعمق الأخطاء وتترك للأيام والصدف أن تحل معاضل الأمم وتطلعتها.