لا تزال الحرب مستمرة

 

عوض المغني

 

"أوميكرون" المتحور الجديد لفيروس كوفيد-19 والقادم من جنوب أفريقيا يستفز العالم، ويعلن أنَّ معركة البشرية مع الفيروس التاجي لم تنتهِ بعد، ويذكرنا بأن الحرب القديمة ما زالت قائمة.

هذه الحرب التي بدأت منذ الخليقة ما فتئت أن تبدأ في كل مرة من الصفر، فبعد أن سيطرت الأمراض على الحياة، بسط الإنسان سيطرته حيناً من الدهر على المرض بفضل التقدم العلمي،  لكن عادت مسببات المرض الميكروبية المتناهية في الصغر بتهديد حياة الإنسان ومختلف المناحي من اقتصاد وحياة اجتماعية .

وخلال هذه الحرب الطويلة كان هناك أيضاً العديد من المنعرجات الكبيرة فعلاً، حيث أثرت ملياً في سير الحرب الدائرة رحاها داخل جسم الإنسان نفسه وفكره كذلك، فعندما اكتشف الطبيب الإنجليزي إدورد جينر طريقة التحصين باللقاح كان هذا فتحاً علمياً كبيرًا بما حمله بعد ذلك من فهم طريقة بناء دفاعات الجسم البشري وتدعيمه قبل حدوث المرض. وحينما اخترع جينر التطعيم كان مرض الجدري آفة العصر حينها في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت مُعارضة المجتمع لتلقي اللقاح بعد ذلك عائقاً امتد لسنوات قبل أن تنجح السلطات في إلزام المواطنين، واختفى بعدها المرض المميت، حتى استئصل المرض في السبعينات من القرن الماضي.

ومنعرج آخر كان مؤثرا في الحرب البيولوجية الطويلة وهي باختراع لويس باستور للقاح داء الكلب وما نتج عنه من لقاح لأمراض أخرى أو باكتشاف البنسلين والمضادات الحيوية بعدها. بينما سيطر المرض مدفوعا بالجهل في تذوق البشرية طعم الموت طويلا بجوائح مثل الطاعون الأسود في القرون الوسطى أو قبل 100 عام من خلال الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت الملايين من البشر.

أما في حالة كوفيد-19، فقد أفرزت الحرب الحالية عددًا من الظواهر الصادمة، فعند البداية تمت التضحية بكبار السن حسب أولويات لا إنسانية ولا أخلاقية اتسم بها الجانب البشري في بعض بقاع الأرض. ودانت السيطرة لعالم المرض قرابة عامين، حتى مع الوصول إلى لقاح مضاد للمرض منذ إعلان روسيا توصلها للقاح مضاد لكوفيد في نهاية 2020 كأول دولة تتوصل لذلك سواء أن الانحياز السياسي كان طاغيا وهو ما أخر من اعتراف عالمي بالفتح العلمي وبدا أنه لا أفق قريب لانتصار ساحق للبشرية هذه المرة.

السقوط الأخلاقي لم يكن العائق الوحيد أمام البشرية؛ حيث من يملك اللقاح ويصنعه احتكره لنفسه وتناسى أن الحرب كانت منذ الأزل حرب البشرية جمعاء. ربما لهذا السبب وجد التفاوت في توزيع اللقاحات بين مختلف مناطق العالم وتفاوت فالدول فيما بينها، بالإضافة إلى ارتفاع مداخيل الشركات المصنعة وتعافي اقتصاداتها الوطنية بعد ذلك بينما لازال عداد الموت بكوفيد يحصد الأرواح في أجزاء أخرى من العالم.

ومع انتباه المنظمات الدولية (الصحة العالمية والأمم المتحدة) للمعضلة الأخلاقية تلك، تم اقتراح مبادرة "كوفاكس" الدولية بهدف توزيع عادل للقاحات، لكن هل نجحت المبادرة وقللت من الفجوة الكبيرة في توزيع اللقاح؟ فالأعداد الكبيرة ونسب الملقحين العالية في دول المصنعة للقاحات يقلل من جدواها، خاصة وأنه لا زالت قارة كأفريقيا لم تحظَ بأكثر من 2% منها، وتوالي ظهور الطفرات المعدلة من الفيروس وارتفاع معدل الوفيات يلقى، بظلال قاتمة على العملية، إضافة إلى استمرار الصراعات والتوترات السياسية والإثنية في مناطق مختلفة من العالم التي تمنع توزيع اللقاحات المطلوبة للحد من المرض بسبب الصراع وفشل المنظومة الصحية من جهة أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك