شواهد وصروح ثقافية تعكس العمق الحضاري للبلدين

جذور تاريخية وحضارية واحدة بين عُمان والسعودية.. والتعاون الثقافي ينتظر دفعة جديدة

...
...
...
...
...
...
...

مسقط- العمانية

تتميز العلاقات بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية في بُعدها الثقافي كونهما ذاتَي جذورٍ تاريخيّةٍ وحضاريّةٍ واحدةٍ، حيث امتداد الرقعة الجغرافية الواحدة ببيئاتها وتنوعاتها وتعدد مناخاتها وطقوس معيشتها طبقًا للظروف المناخية والجغرافية بصورة عامة.

وأوجد هذا التنوع والتعدّد على مرّ العصور والأزمان تعاقب حضارات عديدة تمتد إلى أعماق الـتاريخ وتصل بشواهدها الحضارية إلى وقتنا الراهن لتشكل معالم تراثية وثقافية ذات خصوصيات متفردة ومهمة احتواها سجل المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) كمنجزات قيمة من تأريخ وتراث وثقافة الحضارات الإنسانية. وتحدث عددٌ من المسؤولين والمهتمين من الكتّاب والأدباء من سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية الشقيقة- في تصريحات لوكالة الأنباء العُمانية- عن التواصل الثقافي والتاريخي المشترك بين الدولتين الشقيقتين، مؤكدين عمق العلاقات الاستثنائية الرائدة في هذين المجالين اللذين أسّسا ومنذ أمدٍ بعيدٍ التوافق الأخوي المشترك.

وقال المكرم السيد نوح بن محمد البوسعيدي عضو مجلس الدولة، رئيس الجمعية التاريخية العُمانية إن سلطنة عُمان اليوم في مصافّ الدّول التي تساند الجهود النهضوية العملاقة التي تتبناها المملكة العربية السعودية بقياد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية وولّي عهده صاحب السّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. وأضاف أن عُمان ترى أن هذه النهضة سوف تكون نقطة انطلاق عُظمى للعالم العربي والإسلامي في كافة المستويات وأهمها المجالات الثقافية التي هي أساسُ كل نهضة، فالعقول الواعية المستنيرة هي المنار نحو مستقبل أفضل لأمتنا العربية والإسلامية.

وأكدت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضو مجلس الدولة أن العلاقات بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية متميزة تاريخيًّا على المستوى الحضاري الثقافي والاجتماعي والاقتصادي؛ فهناك علاقات قائمة على المشترك الحضاري بينهما من ناحية، والأبعاد المعرفية من ناحية أخرى، لهذا فإنَّ عمق هذه العلاقة ثقافيًّا يقوم على آليات التبادل والتفاعل المشترك بين أقدم حضارات المنطقة.

وقالت الدرمكية إن آليات هذا التفاعل والتبادل المعرفي بين عُمان والسعودية يؤسس دينامية على مستوى المشروعات الثقافية وبالتالي الإنتاج الثقافي عامة والأدبي بشكل خاص، فهناك تطور كبير في تنامي المنتج الثقافي من ناحية الموضوع والبناء الفني، إضافة إلى إسهام التطورات الاجتماعية وانعكاسها على السياقات والأنساق الفنية التي يتأسس عليها المنتج الثقافي في الدولتين، الأمر الذي أدى في مقابل ذلك إلى تطور الرؤى النقدية وأدوات تفكيك النص وقراءته. وأشارت إلى أن من تلك المشروعات التي تأسّست بين الدولتين الشقيقتين مشروع "قراءات في الرواية العمانية والسعودية"، الذي تبناه النادي الثقافي في سلطنة عُمان بالتعاون مع وحدة السرديات في جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية.

وقال المكرم المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي عضو مجلس الدولة، رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للكُتاب والأدباء إن سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية يربطهما العديد من صور التثاقف تبرز في مجالات تعليمية على مستوى التعليم الجامعي والدراسات العليا ومستوى التبادل الثقافي بين الكتاب العمانيين وإخوانهم السعوديين. وأضاف أن هذه المظاهر الثقافية المترسخة تؤدي دورها الفاعل والمهمّ في تنشيط الجوانب الثقافية في المجتمعين والبلدين الشقيقين مشيرا إلى استضافة الجانبين الكتاب والأدباء للتعرف على بعض الأفكار والثقافة التي يمتلكها كل منهما لتقديم المشهد الثقافي في البلدين بصورة متطورة. وقال الصقلاوي إن الجمعية تربطها علاقة وطيدة بنظيراتها في المملكة العربية السعودية مع وجود تعاون مشترك بينها وبين بعض الأندية في المملكة ليصب في المصلحة الثقافية بين البلدين.

وقال سعادةُ خالد بن سالم السيل الغساني المستشار بوزارة الثقافة والرياضة والشباب إن العادات والتقاليد والأعراف والفنون التراثية المختلفة وسلوك وأسلوب حياة المعيشة التي تميز بها أهل تلك البقعة الجغرافية أوجدت لدى تلك القبائل والشعوب التي تنحدر من أصول واحدة، ثقافة مشتركة في عمومها، رغم تفرّد وخصوصية البعض منها تبعًا لنمط معيشة كل منها واختلاف بيئاتها مضيفًا إلى أنها ثقافة تأصّلت وتجذّرت مع مرور الوقت واكتست طابعًا مميزًا لإنسان تلك المنطقة، وامتدت لتصل تأثيراتها إلى بقاع شتى من العالم. وأكد سعادتُه أن التوجيهات العليا للدولتين انطلاقًا من إيمانها المطلق بحتمية وتأريخية هذه العلاقة التي تستند على روابط وعوامل جغرافية وأسرية ودينية علاوة على الهُوية الواحدة، أوجدت البيئة والأرضية المناسبة لتمتين وتفعيل هذه العلاقات الوجدانية بين الشعبين الشقيقين، وأسهمت بشكل فعّال في البحث عن كل ما يمكن أن يعزّز ويقوّي ويحقّق الاستمرارية لإقامة الفعاليات والبرامج المشتركة في المناسبات والأعياد الدينية والوطنية، والمواسم الثقافية السياحية والترفيهية التي تقام في سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية.

من جانبه، أكد الناقد والإعلامي السعودي محمد بن عبد الله بودي، رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي، والأمين المساعد لاتحاد الأدباء والكتّاب العرب أن العلاقات السعودية العمانية تضرب جذورا في أعماق التاريخ، فكلا الشعبين الشقيقين امتداد لأصل واحد تجمعهما عقيدة واحدة ومصير مشترك وجوار حميم يزدان بالترابط والتلاحم والتراحم، ويمثل النسيج الاجتماعي والنسيج الثقافي من أبرز مظاهر هذا العمق الرصين. وأضاف أنه على صعيد التواصل الثقافي؛ فالحراك الثقافي السعودي العُماني على مستوى العمل المشترك في مختلف مجالات الدراسات الإبداعية وكذلك الفعاليات الثقافية في تواصل وحضور، وصلة المثقف السعودي بأخيه المثقف العُماني في جذوتها وأَلقِها فهناك دواوين لشعراء عمانيين أجرى نقاد سعوديون دراسات نقدية تتناول إبداعهم الشعري وهناك دواوين شعرية لأدباء عمانيين قام بعض من المترجمين السعوديين بترجمة إبداعاتهم للغة الإنجليزية في ظل روح التعاون والمحبة التي يكنها الأديب السعودي لأخيه الأديب العُماني.

وفي سياق الشأن الثقافي، بدأت الشاعرة والأديبة السعودية هدى الدغفق حديثها بعبارة "عندما تبدو الثقافة صورة لإنسانها"، وأضافت: "لا شك أن الحديث عن دولة خليجية متطورة وذات ثقافة متقدمة مثل سلطنة عُمان تضع قائلها في حيرة وخجل؛ حيث مع ضيق الوقت واتساع حجم المحبة التي أكنّها يتوقف التفكير ويتردد المعنى لأنه يعلم بنقص قدرته على وصف مشاعري المجللة بآيات التقدير والاحترام والمحبّة والذكريات العطرة لسلطنة عمان". وامتدحت الدغفق الحضور المتفرد للمفكر والباحث العماني على كافة الأصعدة، مشيرا الى مؤلفات الدكتور سيف المعمري في مجالات التربية والتعليم والاقتصاد، والدكتورة عائشة الدرمكية التي تفوّقت دراساتها الأدبية والفكرية على كثير من دراسات سابقيها.

وللقاص والروائي والناقد السعودي ناصر بن سالم الجاسم، رؤية خاصة في سياق هذا الحديث؛ حيث الوعي والتواصل الثقافي المشترك بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية؛ إذ يؤكد أن المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان شقيقتان تعاضدان بعضهما بعضًا، وتحملان الصفات الحميدة نفسها، صفة الحكمة الموروثة والإباء الراسخ وحب السلم الأكيد وعدم العدوان على الغير المتجذر في النفسين الزكيتين، وصفة الكرم العربي الفطري المشهود عبر العصور، هما شقيقتان فإن بدت المملكة العربية السعودية كنافذة ضوء كبيرة وواسعة فإن سلطنة عُمان هي الحديقة الغناء التي تستقبل هذا الضوء.

تعليق عبر الفيس بوك