إسماعيل بن شهاب البلوشي
جمعتني الصدفة يومًا بالكثير من المفكرين من مختلف الدول العربية وفتحنا نقاشًا جادًا وأخويًا حول عدة تساؤلات استراتيجية، قد لا يكون الحديث عنها متداولاً بكثرة أو حتى بشفافية كما تستحق، غير أنها قد تكون من أهم الأسئلة التي قد تحسم الكثير.
ومنها سؤال: هل للأمة العربية تحديدًا هدف تعيش من أجله وتتخذ الإجراءات اللازمة للوصول إليه جمعاء؟ وما تعريف العروبة أو حتى العرب؟ وهل أن جغرافية الوطن العربي ما بعد الفتوحات الإسلامية تناست الأصول والأعراق فعليًا وجعلت من هذا المعنى حقيقة يعيشها سكانه وبكل أخوة ويتبادلون المصالح ويقدمون الدعم بناءً على ثقة واندماج وتفاعل أصبح سمة عربية خالصة؟ أم أن لهذه المعاني مدخلات أخرى لم يتم الحديث عنها بكل شفافية ووضوح ومصداقية قد تكون سبباً غير ظاهر للكثير من الاختلاف؟!
لا شك أننا وفي الشعور الظاهر نعيش المعرفة والإيمان بكل ما ذكر، وأن الأسماء العربية للدول والجامعة العربية وما يرفرف عليها من أعلام كثيرة يوحي بأن الأمر مغلف بمعانٍ تجسد عروبة خالصة، غير أن العالم الخارجي والداخلي يتحدث دومًا عن اختلافات ليس فقط على المستوى الصغير، إنما هناك أحاديث وحقائق أن الاختلاف عميق، وقد يكون الاختلاف العربي- العربي أعمق بكثير من الاختلاف مع الأمم الأخرى، وأن الأمر يحتاج إلى مصارحة أبعد وأدق، ومن قبل علماء يمكن أن يوجهوا إلى الهدف الحقيقي والذي تكمن فيه مصلحة الجميع بطريقة أخرى أكثر نضجًا وواقعية.
لا ريب أن هذه العجالة من الكلمات لا يمكن أن توضح هذا المفهوم الاستراتيجي الكبير، ولكن لو أن بعضًا من جزئيات تلك الأسئلة كانت إجابته واضحة، فعلى الأقل- وبما أننا عرب ومسلمون نؤمن بالهدف الواحد- فإنَّ مناهج التعليم على مستوى الأمة العربية يمكن أن تكون واحدة نضع فيها ما نُؤمن به حقيقة، وما نتمنى لأجيال الأمة أن تكون عليه كجمعٍ يؤمن بالهدف والمصلحة المشتركة، وبذلك سنختصر الكثير من الجهد والعلماء، وسيكون ملخص وعصارة الفكر مستقطباً من كل المفكرين والعلماء العرب؛ بل إننا سننتج مفكرين وعلماء يكون لهم دور فعلي وسبب للظهور والتواجد على الساحة العالمية، وبذلك فإنَّ تقدير الأمم ونظرتهم إلى الأمة العربية سيكون حتما مختلفاً وبرؤية تقدر ما يمكن أن يكون عليه العرب يومًا ما، وبذلك نستطيع أن نرفع سقف الطموح بأبعد مما نحن عليه اليوم في القوة والعلم والاقتصاد والجانب الاجتماعي. وكذلك فإن تربية الأجيال وتعميق الفكر والدين الإسلامي الحنيف والقرآن الكريم سيجعل للأمة اختياراً واسع الأفق وهدفاً جامعاً وحامياً لكل ما يمكن أن نكون عليه في المستقبل المنظور، وكذلك في الهدف النهائي للأمة ويمكن من خلال ذلك أن تعيد الأمة العربية أمجاداً مازالت تتمناها أو أنها تتغنى بماضيها.
وأخيرًا.. إذا كان حلم الوحدة العربية معقدًا أو حتى أن زمن الوحدة بالشكل التقليدي المعروف غير ممكن أو حتى أنه غير مجدٍ، ونظراً إلى أن التكتلات العالمية برؤيتها الخاصة بما يخدم مصالحها أصبحت تُؤطر بشكل مختلف، فإنَّ الحلم العربي يمكن تحقيقه من خلال توحيد وتحديد سمة العلم تحت توجيه وزير واحد من كل الأمة العربية، وأن يكون بالتناوب لكل الدول، مع الأخذ في الاعتبار تحقيق التنافسية العالمية في مجال العلم تحت المسمى العربي، وليس مفرداً، وبذلك يمكن أن نحدث الفرق المطلوب وأن نوجه البوصلة نحو الوجهة التي تعيننا على الدنيا والآخرة.