فاطمة الحارثية
كانت رحلة لم أعلم أين المرسى ولا المقر، لم أعلم تضاريس ومعالم الطريق، مضيت إليها مُتدثرة بالشجاعة وكلي غربة وغضب، يعتريني خوف مُطعم بالجرأة، كان شعورا مختلفا بالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي أعبر فيها الحدود، رفضت جميع تفاصيل هويتي إلا انتمائي إليك، بعد حين، علمت أن لا عيش على أرضك إلا للأقوياء، فارتشفت القوة من أفلاجك وأرتويت بعيونك وأوديتك، قيل لي إني ضلع أعوج، وقارورة تُكسر، لكنهم نسوا أني من ترابك يا عُمان وثراك لا يأتي إلا بالصناديد.
أثناء المسير نواجه الكثير من الفجوات، والعوائق والسلبيات، وعلينا أن نبني منها الجسور ونصنع الطريق، عندما سألني أحد الصحفيين في أكتوبر عام 2008، عند إشهار الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، هل أستحق الجهد والعمل المضني الذي بذلتِه؟ قلت له عُمان تستحق. بعدها تواريت عن الأنظار بعد الإشهار، لأنَّ عملي كان لعُمان وليس للشهرة أو الأضواء، كأيِّ عُماني يعي معنى العمل، والاجتهاد من أجل السُّمو والفخر بها، واعتزاز الأجيال القادمة التي لابد لها أن تُكمل المسير، وتأخذ دورها في التهيئة لمن بعدها دون منافع شخصية، علينا أن نرفض الوقوف عند كاسر العزائم؛ بل نمضي، لأنَّ الهدف أسمى من رماد الكلمات السلبية، واليوم أرى جهودا تهيئ للأجيال المسير، أنظمة تثير الكثير من الجدل اليوم، لكنها بعزيمة واجتهاد العاملين بإخلاص وصدق، ستتكفل غداً بتمهيد الطريق لأبنائنا وبناتنا، ومجلد البرامج الاستراتيجية خير دليل على شمولية العمل، فالبرامج أجمعت الأثر بين مختلف الأعمار، ومعظم أركان العمل؛ وبالسعي الجاد والمخلص سيضيء المستقبل لعيش أفضل لأطفالنا.
جميعنا تأثر، منِّا من فقد وظيفته، ومنِّا من انخفض دخله وراتبه، ومنِّا من لا يجد قوت يومه، ولا سكن يأويه وأهله، ومنِّا من هو خلف القطبان، هذا وأكثر، كلها عوامل تدفعنا إلى نفض الحزن واليأس، والسعي نحو المزيد من العمل، كيفما كان العمل، طالما أنه يحفظ كرامة عيشنا وأطفالنا، من أجل أن تكون عُمان مكانا أجمل لهم. حدثوني عن الهجرة، وقلت لهم لمن أترك دفء تراب عُمان، حدثوني عن ظلم يخرج من رحم ترابها، فقلت لهم ونحن سواعد لنرفع عنها كل سوء، على مهد عُمان سأضحك بثقة وأبكي بثقة، مهما بلغ البلاء.
العمل الجاد، يحتاج إلى قلوب قوية وفكر واع، فالرزق مكتوب وليس محكوما، أي ليس بيد خلق من خلق الله، الحوار البناء والفكر النقدي والحديث المباشر ليس تمردا أو عصيانا، بل هو جهد يُبذل من أجل النفع العام، واستدراك ما يُدرك، وفك شباك سوء الفهم، والوعي بمجريات الأحداث، والطرق الأمثل لتسخير الجهود، وتوجيهها التوجيه السليم. العمل المشترك لا يحتاج إلى توافق وانسجام مثالي بين الأفراد وفرق العمل، بل إن التنوع واختلاف وجهات النظر يصنع لعُمان الأفضل، لما فيه من تنافسية إيجابية ورقي؛ فلتُفتح القلوب والأبواب من أجل رخاء أبناء عُمان الطيبة.
سُّمو..
تسمو وترتقي عُمان بنا، ونفخر نحن بأمنها وسلامها، وكرم شعبها العربي الأبي. عُمان، لك كل الولاء والوفاء.