أدوات حساب الوقت عبر الزمن

 

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

يُعد اتساع دائرة تواصل الإنسان مع الآخرين أحد الأسباب التي تدفع بالإنسان لمحاولة تطوير الأدوات المرتبطة بالوقت والتاريخ، إذ كان أحد أهم الأهداف من وراء تطويرها هو إيجاد وسائل مشتركة يمكننا استعمالها لتوحيد الوقت، فعندما كان محيط الإنسان مقتصرا على أسرته ومجتمعه الصغير كانت تكفيه الاستعانة بالظواهر الكونية لتحديد الزمن، وعندما اتسعت دائرة التواصل مع الآخرين زادت الحاجة إلى ذلك، وقام الإنسان وطور أصنافا عدة من الأدوات المخصصة لحساب الوقت، ويمكننا تقسيم هذه الأدوات إلى أصناف ثلاث، الصنف الأول مخصص لتحديد الزمن كساعة شروق الشمس وغروبها، أما الصنف الثاني فهو مخصص لحساب فترات زمنية محددة كالساعة مثلا، والصنف الثالث لحساب فترات زمنية بين حدثين كبداية السباق مثلاً ونهايته.

وكانت الشمس هي أكثر الظواهر وضوحًا لاستخدامها للصنف الأول من الآلات، فكانت الساعات الشمسية أولى الأدوات التي استعان بها الإنسان، ولأنَّ الساعة كانت تعتمد على الشمس فإن مدة الساعة لم تكن ثابتة فالنهار كان اثنتي عشرة ساعة صيفًا وشتاءً، ولذا فإن الساعة الواحدة كانت تمتد في الصيف وتقصر في الشتاء، ولذا نلاحظ أن ساعات النهار لدى العرب هي اثنتا عشرة ساعة وكذلك ساعات الليل وهذه الساعات وأسماؤها ثابتة على مدار العام، فكلمة "ساعة" في كتب السيرة والتاريخ لا تعني في العادة المدة الزمنية المتعارفة والتي تعادل 60 دقيقة؛ بل تعني برهة أو مدة زمنية معينة.

وكما نعلم أن استخدام الساعة الشمسية يقتصر على فترة النهار؛ إذ لا يمكن استخدامها ليلاً، ولذا تم استخدام الساعة المائية عند اليونانيين، إلا أن الساعة المائية تعد من آلات الصنف الثاني لأنها كانت تحسب فترة زمنية محددة، وتعد الساعة التي أهداها هارون الرشيد إلى إمبراطور الرومان من صنف الساعات المائية، كما تم استخدام ما يعرف أيضًا بالساعة الرملية وتعد من أدوات الصنف الثاني أيضًا.

ومع تطور وسائل التواصل مع الآخرين زادت الحاجة إلى توحيد الأوقات وتم اختراع الساعة الميكانيكية في القرن الثالث عشر وهي أولى الأدوات المخصصة لحساب الوقت من الصنف الأول والتي لم تكن تتأثر بالعوامل الجوية وقد كثر استخدامها في الأديرة والكنائس وكان يتم الإعلان عن الوقت من خلالها للمدينة برمتها، فكان الناس ينظمون أوقاتهم بناء على هذه الساعات التي كانت أكثر ضبطاً من الساعات السابقة.

وفي منتصف القرن السابع عشر ظهرت "الساعة البندولية" وهي من أدوات الصنف الأول أيضًا والتي أدخلت البشرية ولأول مرة في تاريخها في مرحلة جديدة من الدقة؛ إذ إنه لم يكن بالإمكان تحديد الوقت بدقة تفوق الربع ساعة في الساعات السابقة أما مع الساعة البندولية، فإن الدقة في تحديد الوقت وصل دون العشر ثوان.

ومع اتساع رقعة التواصل الاجتماعي بين المجتمعات المختلفة زادت الحاجة لإيجاد وسائل لتوحيد الوقت فعندما زادت سرعة القطارات في أوروبا سببت إرباكًا في التنقل بين العواصم المختلفة، فاقترحت الولايات المتحدة توحيد الوقت وتم التوصل إلى فكرة تقسيم العالم إلى مناطق زمنية (Time zone) عام 1883، وهكذا تم التوصل إلى طريقة دقيقة لمعرفة الوقت وفارق التوقيت بين دول العالم أجمع.

وفي بدايات القرن العشرين تم استخدم ساعات الكوارتز، والكوارتز مادة صلبة تتأرجح بسرعة ثابتة عند تعريضها لطاقة كهربائية بسيطة ومن خلال هذا التأرجح يتم عرض الوقت.

ومنذ منتصف القرن العشرين وما بعده حدثت ثورات ضخمة في طرق حساب الوقت وذلك باستخدام تقنيات لم تكن تخطر على ذهن البشر سابقا، فقد تم تطوير ما يعرف بالساعة الذرية والتي تعتمد على ذرة السيزيوم وقد تم استخدامها منذ عام 1999 من قبل المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (أمريكا) كأدق آلة لحساب الوقت فهي لا تتأخر بأكثر من ثانية واحدة كل 20 مليون سنة.

لقد ساهمت هذه الساعات الذرية مساهمة فاعلة في تطوير نظم تحديد المواقع الجغرافية وفي غيرها من التطبيقات العملية.

إن التطور الحاصل في وسائل التواصل بين المجتمعات لا يدع مجالًا لبقاء أدوات ووسائل قديمة تم استخدامها في حضارات سابقة لاستخدامها في العصر الحديث لأن نسق الحياة المعاصرة يفرض علينا استخدام تقنيات دقيقة، وهذه الدقة لا تتوافر عادة في الأدوات القديمة، ولذا فالإصرار على استخدام أدوات قديمة  بحجة الحفاظ على التراث والموروث مسألة وقت لأنَّ الإصرار على استخدامها يولد نوعاً من اللاتجانس مع الحياة التي نعيشها، ومن هنا يقول بعضهم  بعد أن يموت الجيل القديم يستبدل القديم بالجديد؛ لأنَّ الجديد يغدو مألوفًا لدى الأجيال الجديدة ولا تجد حرجًا في استخدامه، فالتغيير يفرض نفسه وعقارب الساعة تتجه للمستقبل ولا تعود إلى الماضي.

***********

مصادر للاستزادة:

  • Jim Al-Khalil, The World According to Physics
  • Craig Callender, Introducing Time: A Graphic Guide

 

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

الأكثر قراءة