وحدة لدعم واتخاذ القرار.. ضرورة مرحلية

 

علي بن سالم كفيتان

شملت التوجيهات السامية الأخيرة لمولانا جلالة السُّلطان- أيده الله- إنشاء وحدة لدعم واتخاذ القرار، ولقد لفت انتباهي هذا التوجه الحصيف الذي جاء في وقته في ظل الحاجة المُلحة لإيجاد نقلات سريعة نحو المستقبل تماشياً مع المستجدات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

لكن الأمر يتطلب وجود قاعدة عريضة من البيانات الدقيقة المستوحاة من الواقع المعاش وتحليلها بشكل احترافي للوصول إلى النتائج المتوقعة من اتخاذ القرار على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، وهذا بلا شك يقلل من الأخطاء التي قد تشوب القرارات الحاسمة ويساهم في إيجاد أرضية صلبة وآمنة لمتخذ القرار بعيدًا عن فرضية التخمين ومن ثمَّ المعالجة.

يضطر متخذ القرار في المراحل الانتقالية مثل التي تمر بها بلادنا لسرعة التعامل مع المتغيرات، وهذا ما يُعبر عنه باتخاذ القرارات التي يتطلب منها معالجة الثغرات واستشراف صياغة المستقبل والتنبؤ بما قد يحدث؛ ففي اللحظة التي يطلب فيها اتخاذ قرار ما لابُد من وجود طبقات واسعة من البيانات التي تقود إلى مؤشرات إيجابية لمُعالجة المشكلة عبر سد الفجوات وتوقع ردة فعل المجتمع سلباً أو إيجاباً، بحيث توضع جميع الخيارات أمام متخذ القرار قبل المضي فيه؛ فتتم المُقارنات بناءً على الحقائق وليس التوقع الفردي أو المبني على عدد محدود من الأفراد بطريقة بدائية؛ فالممكنات اليوم باتت حاضرة وفق التطورات التكنولوجية الهائلة وفي ظل ذلك بات الاعتماد على القرار الفردي ضرباً من الماضي.

تتيح وحدة دعم واتخاذ القرار التغذية الراجعة المحتملة وتوجِد لها سيناريوهات عدة، وبالتالي ستُقدم قراءة شبه دقيقة لما قد يتوقعه الشخص العادي من بناء أي قرار يتعلق بالحياة العامة للإنسان، فجميع القرارات التي يتخذها صاحب القرار يهدف من خلالها إلى الإصلاح، ولهذا فإنَّ إنشاء هذه الوحدة يعد خطوة متقدمة لسلامة القرار في مرحلة بات فيها المجتمع متوجسًا من كل قرار قادم، ويرسم له صورة قاتمة، حتى قبل أن يرى النور! فالظروف الاقتصادية ألقت بظلالها على مزاج الفرد ودرجة تقبله للتغيير، وخاصة مع اقتران بعض القرارات بالمزيد من الضرائب واقتطاع التسهيلات التي كان يتمتع بها الفرد قبل الأزمة الاقتصادية والصحية التي يمر بها العالم.

ذات مرة سألني رجل قابلته في المطار عن خطة التوازن المالي؛ حيث توقع أنني ككاتب رأي مطلعٌ على الكثير خارج ما يتم نشره، فأجبته بصورة مقتضبة جدًا، وفق ما هو متاح عن هذا الخطة عبر وسائل الإعلام المحلية وكون الرجل ليس عُمانيًا، فصمت قليلًا، وقال لي "أنا أعلم عن هذا، ولكن ما هي الخطة التفصيلية، فما ذكرته لي هي الخطوط العريضة والتوجه لتحجيم الدين العام بحلول الخمس سنوات القادمة هدف طموح لكن ما هي التبعات؟". ومن هنا تكمن أهمية إنشاء وحدة لدعم واتخاذ القرار؛ فهي الوحيدة القادرة على التنبؤ بكل المآلات وهي من يقوم بالتعريف الدقيق والإيجابي لأي قرار يعود بالنفع على المجتمع من واقع الأرقام والمؤشرات، وليس التخمينات؛ لذلك يُعد إنشاء هذه الوحدة فتحًا جديدًا يمهد لبلوغ الطموحات على بساط من الوضوح والدقة والمصارحة.

لقد كنتُ من الذين انتقدوا دور الإعلام المحلي من حيث التعريف بخطوات العهد الجديد التصحيحية، ونتوقع في هذا الإطار أن تتضمن الوحدة الجديدة فريقًا إعلاميًا محترفًا يستطيع ترجمة النية الصادقة والمخلصة لمولانا جلالة السلطان- أيده الله- إلى واقع ويبسطها للمواطن العادي، الذي بات يتلقى سيلًا من الإجراءات التي لم يجد لها مبررًا، إلا ببضع كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع يتلوها الإعلام الرسمي وترددها الجرائد اليومية وتصطبغ بها واجهات ومنصات التواصل الاجتماعي، ومن الأهمية بمكان هنا أن يحظى مجلس عُمان بتمثيل واسع في هذه الوحدة كونه يمثل المجتمع العُماني بمختلف أطيافه.

إننا نتوقع من الوحدة الجديدة إعداد قرارات مدروسة قائمة على نبض الشارع من واقع استطلاعات الرأي، وأن تقيِّم بحيادية تامة الوحدات الحكومية من حيث إيمانها وسعيها لإنجاح السياسات المنوطة بها، كما نتوقع كذلك أن تقوم هذه الوحدة على رسم صورة مشرقة للاستراتيجية الوطنية 2040 وخطة التوازن المالي (2021- 2024) من خلال ما ينتج عنها من قرارات تمنح المواطن والمقيم الطمأنينة بأن السلطنة بيئة جاذبة للحياة والاستقرار والرفاه الاجتماعي. حفظ الله بلادي.