التحايل في بعض مؤسسات القطاع الخاص

 

د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

بات من الطبيعي أن يكون القطاع الخاص هو الجهة التي يُعوّل عليها في امتصاص الأعداد المُتزايدة من العمالة الوطنية على اختلاف مؤهلاتها، ولن يتأتى ذلك ما لم يكن هناك قطاع خاص قوي مبتكر لا يعيش على الدعم الحكومي اللامحدود وحسب.

ورغم أنّ أعداد العاملين من العُمانيين في مؤسسات القطاع الخاص أقلّ من الموظفين في القطاع الحكومي؛ إلا أنّه يبدو أنّ الأعداد ستظل هكذا بل ستتناقص؛ بسبب جملة من التحديات التي تواجه الشباب المنخرطين في القطاع الخاص لعل أبرزها انخفاض الأجور، وطول ساعات العمل، وقلة الإجازات ناهيكم عن قضايا التسريح ولأبسط الأسباب التي طفت على السطح مُؤخرًا لأسباب قد تبدو منطقية وأخرى واهية، وما ترتب على ذلك من ضعضعة الثقة في مسألة الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، ودخول المسرّحين في نفق مظلم من التهديد بالسجن بسبب الالتزامات المالية، وصعوبة تلبية المتطلبات المعيشية للأسرة وغيرها من الأمور.

ورغم أنّ الحكومة ترمي إلى زرع الثقة في مؤسسات القطاع الخاص من خلال منح الامتيازات المختلفة لهذا القطاع الذي يُعد العمود الفقري في اقتصاديات الدول المتقدمة؛ ليسهم هذا القطاع في توظيف الشباب العُماني ورفع نسب التعمين. ولكن يبدو أنّ بعض مؤسسات القطاع الخاص تستغل كل الثغرات الممكنة لفائدتها بدون اكتراث لدورها الوطني الذي من المفروض أن يكون من أولوياتها. على سبيل المثال عندما أصدرت الحكومة قرارًا بتحديد الحدّ الأدنى للأجور لجميع العاملين في القطاع الخاص من العُمانيين بـ325 ريالا عُمانيا على اختلاف مؤهلاتهم، استغلت بعض الشركات هذا القرار بتسريح الموظفين ممن أمضوا سنوات طويلة في العمل. وبعض هذه الشركات مارست حيلًا متنوعة لإجبار هؤلاء الموظفين على ترك العمل بمحض إرادتهم مثل نقلهم إلى مناطق بعيدة جدًا عن مكان سكنهم وبدون أية امتيازات. وهنا يقع الموظف بين نارين: إما الموافقة على هذا القرار التعسفي، وتحمل تبعاته النفسية والمالية والأسرية، أو تقديم استقالته.

وعندما يتم تقديم الاستقالة تتحول تلقائيًا إلى تقاعد بمزايا بسيطة جدًا لا تغطي أبسط الالتزامات المالية لهذا الموظف كونه لم يصل للمدة الزمنية أو العمر القانوني لمنح مزايا التقاعد لموظفي القطاع الخاص وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في السلطنة. هنا تستفيد الشركة من توظيف عدد أكبر من الشباب العُماني الباحثين عن عمل وبالحد الأدنى المشار إليه، وبنفس رواتب الموظفين القدامى، وبالتالي رفع نسب التعمين لديها دون الدخول في مخالفة قانونية وهي التسريح لأن الموظف هو من قدم استقالته! وبلا أدنى مسؤولية أخلاقية تجاه الموظف الذي أجبرته على الاستقالة أو نقله إلى أماكن بعيدة عن مقر سكنه. وفي حال قرّر الموظف الذي صدر قرار جائر بنقله المطالبة بحقه عبر الجهات القضائية المختصة؛ فإنّه سيقع بين أمرين أحلاهما مرّ إما تنفيذ القرار وتحمل ما يترتب على ذلك ومهما طالت المدة، أو التوقف عن العمل للتفرغ للأمور القضائية وما ستفسر عنه، وبالتالي توقف راتبه حتى صدور الحكم ولله الأمر من قبل ومن بعد. ختامًا.. لابُد من وقفة جادّة مع الموظفين العُمانيين الحلقة الأضعف في القطاع الخاص، والتصدي لهكذا مُمارسات من شركات القطاع الخاص التي تستغل القوانين والأنظمة لتنفيذ مآربها، ووضعها تحت المجهر، ومن يثبت عليه مثل هذه التصرفات لابد من اتخاذ الإجراءات الرادعة المناسبة. كما أنّه آن الأوان لتقييم كافة القرارات والتشريعات من أجل ضمان بيئة آمنة وجاذبة في نفس الوقت لتوظيف العُمانيين في مؤسسات القطاع الخاص.