عبد الله العليان
تابعتُ منذ عدة أيام من خلال وسائل الإعلام، الحوار الذي دار مع معالي الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام، وبعض الشباب العماني، في اللقاء الذي حمل عنوان "الحوار مع الشباب: إنصات وإشراك"، وضمن منصة "التواصل الحكومي" الخامس عشر.
والحقيقة أنني تابعت هذا الحوار باهتمام باعتباره من الحوارات التي تجد القبول والنقاش، خاصة ما يجيش في أفكار شبابنا وتطلعاتهم في هذا العصر، الذي أصبح فيه العالم قرية مفتوحة الأبواب على مصراعيه، في قضايا حرية التعبير والانفتاح الإعلامي، الذي أصبح بلا حواجز أو موانع نقف أمام هذا الوافد المعرفي من كل بقاع الأرض.
والذي أسعدني كثيرًا إجابات معالي وزير الإعلام، الذي قال في تصريحاته: "إن حرية الرأي والتعبير مكفولة، وتنوع الآراء يدلّ على حيوية المُجتمع وثرائه ويعكس الرغبة من الجميع، خصوصًا الشباب، في الإسهام في تطوير الأداء في مختلف القطاع، وإدراكًا لأهمية دور الشباب، أتت التوجيهات السامية من قبل حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- للالتقاء بالشباب وإشراكهم والاستماع لآرائهم وهواجسهم ومطامحهم". كما إن معالي الوزير أبدى انطباعاً طيباً للروح الوطنية المخلصة للشباب، لهذا للوطن وقيادته، لما يتم طرحه من بعضهم في خطاباتهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فقال: "بالرغم مما يبدو من قسوة في بعض الخطابات في وسائل التواصل الاجتماعي أحيانًا إلا أنَّ بين أحرف كل الكتابات دون استثناء نلمس روحًا وطنية مُتقدة وولاءً كبيرًا لهذا الوطن ولقيادته، ورغبة في التطوير والتحسين في الأداء، ومُعالجة ما قد يطرأ من إشكالات".
وهذه نظرة إيجابية مهمة فيما أشار إليه معالي وزير الإعلام في هذا اللقاء، عمّا يطرح من بعض الشباب، وتأكيده على قضية حرية الرأي والتعبير، معبرة بلا شك عن التوجهات لدى جلالة السلطان- وفقه الله- من خلال فتح قنوات الحوار والتواصل مع الشباب، باعتبارهم "حاضر الأمة ومستقبلها"، وهو ما أكد عليه جلالته في خطابه السامي في 23 فبراير 2020 عندما قال: "سوف نحرص على الاستماع لهم وتلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحقها". وهذا الاهتمام بالشباب والتحاور معهم، وسيلة إيجابية ومهمة، خاصة في عصرنا الراهن التي أصبح البث- كما أشرنا آنفًا- بلا حواجز تقف أمام ما يُقال في عصر هذه الثورة المعلوماتية الهائلة، وستتوسع ربما أكثر مُستقبلاً، ولذلك من المهم أن يعرف الشباب، أنَّ المعرفة مطلوبة، والنقد مهم مما تحتاجه حركة الحياة ونشاطها الدائب، وبها تسير معها حرية التعبير، لكن من المهم أن نوازن فيما نطرح، وفيما نترك مما يُقال ويناقش، مع وجود حرية الرأي والتعبير وكونها مكفولة وحاجة ماسة لوجهات النظر، بما لا تتعدى هذه إلى حرية الآخرين، وفق العبارة الشهيرة: "حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".
والمقصود من هذه العبارة التي نُسبت إلى القانوني الشهير "مونتسكيو" في كتابه "روح الشرائع"، لكن الهدف منها ألا تتجاوز الحرية، إلى غير هدفها في الإصلاح والتقويم، والكلمة الناقدة الحق الصادقة في هدفها الأصيل، والبعيدة عن الأغراض الخاصة، ومن هنا تظل حرية التعبير ضرورة لحياة آمنة ومُستقرة وناجزة لما يطرأ عن سلبيات يتطلبها النقد الموضوعي الذي يساهم في المراجعة الإيجابية في النقد وما يقابله أيضاً من الردود، لتقترب الرؤى من بعضها حتى تظهر الحقيقة دون رتوش. نعم الحرية أعظم المكاسب الإنسانية للإنسان في كل عصر، منذ أن خُلقت البشرية حتى الآن، كما أن الحرية أسهمت في بناء حياة إيجابية في مسيرة الإنسان، من خلال حرية التفكير والتعبير وتلمس الأخطاء ومراجعتها، فهي بلا شك تساهم في التقدم والنهوض في كل المجالات التي تحتاجها البشرية.
وأتذكر أنني في عام 2014 حضرت أحد المؤتمرات في دولة خليجية شقيقة، ودار النقاش حول الحريات والحق في التعبير والقوانين الضابطة لهذه الحرية، وكانت هناك جلسات وأوراق عمل حول قضية الحرية في دول مجلس التعاون، وعندما خرجنا من قاعة المؤتمر للاستراحة، اقترب مني أحد المشاركين من مملكة البحرين، وسألني عن بعض العمانيين الذين تستضيفهم إحدى القنوات الناطقة بالعربية في تلك الفترة: هل هؤلاء العمانيين الذين يوجهون انتقادات لبعض القضايا يعيشون خارج عُمان؟ قلت له: أغلبهم يعيشون في بلدهم وليس خارجه، ويعمل بعضهم في مؤسسات حكومية؟ فأبدى الرجل استغرابه لما قلته، فهذه النظرة الإيجابية لتقبل النقد، دون أن نتبرم منه أو ننفعل لما يقال، يجعل النظرة تتقارب ويزداد الوعي بحقيقة الواقع، فالتقويم والإصلاح لا شك مطلوب ومهم، لكن الكلمة الناقدة من المهم أن تكون صادقة وثاقبة، دون أن تتجاوز الحقيقة التي يجب أن تقال. ومن الفلاسفة الذين ناقشوا مسألة الحرية بروح عقلانية ومنطقية، الفيلسوف الفرنسي لويس لافل الذي قال: "من المهم تحديد حدود الحرية، وإنكار أن تكون مطلقة، لأنها لابد أن تخضع لما في العالم من ضرورة، لكنه يرى أن حريتنا، لابُد أن تقوم على أساس من الضرورة، لأن النشاط الإنساني لا يُمكن أن يتحقق، إلا في عالم محدود علينا أن نغالب عوائقه، وأن ننتصر عليها، وهذا الجدل بين الإنسان وما حوله من مُعطيات، هو الذي تستمد منه الحرية الإنسانية معناها". وهذا هو مربط الفرس كما يُقال ويناقش، ولذلك من المهم التجرد عند طرح الرأي من خلال الموضوعية المنطقية سيكون مكاسبه كبيرة في ظل الحرية الممنوحة.