محاكاة افتراضية

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

طَرحتُ هذا السُّؤال مرارًا: كيف لشخصٍ ما أن يتجنَّب أيَّ عقاب لأي جريمة يرتكبها إلا إذا كان يعيش في عالم افتراضي كعالم "ميتافيرس" -والتي تُختَصَر "ميتا"؟!

لقد أَحْدَث مارك زوكربيرج- مالك ومؤسس شركة "فيسبوك"- ضجَّة كبيرة بعدما أعلن تغيير اسم شركته إلى "ميتافيرس"، وهي التقنية التي تنسج عالمًا افتراضيًّا يُوازي العالم الحقيقي؛ حيث تجعل الشخص يتمكَّن من مُقابلة الشخص الذي يُريد في أي مكان حول العالم؛ الأمر الذي جعل روَّاد مواقع التواصل الاجتماعي يشعُرون بصدمة وحِيْرَة حول الإمكانات التي يُمكِنهم فعلها باستخدام هذه التقنيات الحديثة.

ويَجمع "ميتافيرس" العديدُ من مُميزات التطبيقات الافتراضية، كما يُمكنه أن يدمج الكثيرَ من الخاصيات والتقنيات الخاصة بالعالم الافتراضي؛ وأهمها: تقنية "Deep Fake"، أو "التزييف العميق"، وهي تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تُستخدم لإنتاج فيديو أو التعديل على مُحتواه بشكل كامل؛ ليستعرض شيئًا لم يكن موجودًا فيه بالأصل.

استُخدِمت التقنيةُ للترفيه والسخرية من المشاهير، واليوم ينقلبُ السِّحر على الساحر، بعد انتشار استخدام التقنية لتشويه سُمعة، ونشر فيديوهات غير أخلاقية لصحفيات هنديات للإطاحة بهن؛ خدمةً لأجندات سياسية معينة، وارتفع مُؤشر نشر المعلومات المغلوطة والكاذبة، والتي ارتفعتْ على أثرِها مُعدلات التنمُّر الرقمي بشكل ملحوظ.

ستُطلق شركة "فيسبوك" سابقا -"ميتا" حاليا- عالمًا افتراضيًّا يُمكن فيه التواصل بين الجميع، ويمكن المشاركة بحفلات غنائية وإجراء مُقابلات عمل وكل ما يخطُر ببالك؛ أي أنك ستعيش عالمًا افتراضيًّا كاملًا، ولكن هناك سؤال آخر: لِمَ غيَّرتْ عملاقة التواصل الاجتماعي اسمها الآن؟

لقد أصبح التغيير ضرورة مُلحَّة بعد تسريب وثائق داخلية لـ"فيسبوك" سرّبتها المُبلّغة فرانسيس هاوجن، وحصلت عليها صُحف أمريكية عِدَّة، من أنَّ الشركة كانت على علم بتطرُّف عدد كبير من مُستخدمي موقعها، وبانتشار كمٍّ هائلٍ من المعلومات المضلِّلة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020. وفي مطلع أكتوبر، جدَّدت التأكيد أمام أعضاء في مجلس الشيوخ أن مسؤولي الشركة -وعلى رأسهم مارك زوكربيرج- "يفضّلون الربح المادي على سلامة المستخدمين".

وقد أظهرتْ دراسات وتسريبات أنَّ "فيسبوك" على دِرَاية بالمشكلات النفسية التي تُعَاني منها المراهقات اللائي يتعرَّضن لكمٍّ هائلٍ من المُحتويات عن حياة وأجساد، مُستخدمات مؤثِّرات لتطبيق إنستجرام تبدو "مثالية". وكان عملاق وسائل التواصل الاجتماعي على عِلْم بالمشكلات، لكنَّه اختار تجاهُل قِسْم كبير منها، بحسب المبلِّغة ومصادر أخرى مجهولة. وهدَّد النواب الأمريكيون منذ سنوات بوضع أطر تنظيمية لـ"فيسبوك" والشبكات الاجتماعية الأخرى لمواجهة الانتقادات التي تُوَاجِهها شركات التكنولوجيا العملاقة فِيما يتعلق بتجاهلها مسائل الخصوصية، وأنها توفِّر منصات مثالية لنشر معلومات مضللة والإضرار برفاه الشباب.

وبينما "فيسبوك" تغيِّر اسمها إلى "ميتا"، كان هنالك نجم آخر يسطع، وهو نجم إيلون ماسك مالك شركة "ستيلا"، الذي يسعى حاليًا لنقل الإعلانات إلى سطح القمر -نعم- تخيَّل أنْ تتحوَّل السماء إلى شاشة إعلانات وبسعر مُشفَّر، حيث يستعدُّ قمر صناعي مُتخصِّص في الإعلانات للانطلاق قريبًا على متن صاروخ سبيس إكس (Falcon 9) لعرض الإعلانات في الفضاء.. وتُعدُّ هذه الأقمار الصناعية الأولى من نوعها والمخصَّصة لغرض الإعلانات في الفضاء.

لقد أثارتْ هذه الطفرات والقفزات النوعية في التطور التكنولوجي وتقنيات الاتصالات، مُؤشرات مُقلقة: هل نحن مُقبلون على عالم يتحكَّم فيه شخص واحد أو آلة ضخمة؛ الأمر أشبه بفيلم "The Terminator"، الذي شقَّ غبار الثمانينيات ليسيطر على كوكب الأرض والبشرية أجمع في 4040؛ فهناك من يفرض عليك إعلانات علي شاشة السماء الربانية التي ملكها الجميع، وهناك من يعيش داخل عالم افتراضي رقمي، تُحب وتكرَه وتَعشق وتتزوَّج فيه، كما يُمكن فيه القتل أيضًا دون رقيب.