السياحة وطن

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

كل من زار عُمان ورآها عن قرب، وكذلك كل مهتم ومطلّع على السياحة العالمية وما تحتاجه، يتحدث عن هذا الجانب بشغف كبير وبإعجاب ما بعده إعجاب، ونحن جميعاً نعلم عن ذلك وندرك ما تختزن أرضنا الطيبة من مقومات؛ هي في مجموعها كنز كبير، يمكن أن يجعل من الوطن واجهة عالمية وبكل استحقاق.

غير أنني اليوم أريد أن أساير هذا المفهوم بالدور الكبير الذي نتحمله جميعاً أبناء عمان ذلك أن من يعتقد أنه مشاهد وحسب لإنجاح هذا الأمر فهو يعيش في الأماني والأحلام وأن أموال الكون بأكمله وخزائن الأرض لا يُمكن أن تكون واجهة وطن دون عمل وتضحية وإيثار وتحمل منِّا جميعاً لأن الكنوز لا تنطق إلا إذا كان الإنسان هو من يظهر محاسنها وجمالها وبكل إتقان وأمانة.

سأبدأ بوظيفة سائق الأجرة كمثال لإنجاح السياحة في أي وطن، والذي يُعد واحداً من أهم أدوات السياحة وواجهتها، فهو ليس ذلك الإنسان الذي يقوم بوظيفة نقل الأشخاص من مكانٍ إلى آخر وحسب، غير أنه يحمل واجهة أمة، فهو ذلك المؤدب بسجية وطن، وهو المحترم الذي يرد السلام ويتحدث برقي وتحضّر يليق بوطنه، وهو الأمين وبكل حذر فيما يحق له وما لا يحق له من مال، هو الخبير في مقومات وطنه، ولديه الحنكة والمعرفة والأسلوب في إظهارها لأي زائر،هو من يقود سيارته بذلك الرقي المتبع للقانون بما يعكس سمعته وسمعة وطنه، هو ذلك الشخص المترفع الذي لا يدعو أحداً للركوب معه منافسًا أخاه، كل هذا فقط من جانب واحد.

ومن جوانب أخرى، فإنَّ هناك بعضاً من الدول تدخل سائقي الأجرة في اختبارات هي أصعب بكثير من اختبارات العمل العادية، وبعض من الدول توجه هذه الفئة المهمة من المجتمع إلى الالتزام بقوانين بعينها، حتى نوع الحديث الذي يمكن أن يتحدث فيه، إذ لا يُمكن له الدخول في مناقشات معينة، فهو يتعامل مع أجانب مختلفي التوجهات والعمل وأسباب زيارة الدول، فيتم وضع نظام فاصل في قمرة السيارة، أو حواجز صناعية لا يمكن من خلالها الوصول أو حتى الحديث إلا بشكل محدود ومن وراء فتحات مخصصة فقط، وكذلك فإن الدفع يتم عن طريق البطاقة البنكية وليس نقدًا.

لا شك أنَّ التعامل مع السياحة والسياح على مستوى دولي، كما نطمح، أمر وطني كبير جدًا، يتطلب مشاركة كل فئات المجتمع، ولقد اخترت المثال أعلاه ليس لأنه الأهم، لكن لأنه جزء مهم علينا أن نفكر فيه، وهنا أودُ أن أوضح لكل متعامل مع أي سائح أنها ليست بالفرصة السانحة لأكسب منه القدر الأكبر من المال، بقدر ما هي فرصة سانحة ليتحدث عن وطنٍ عظيم ويدعو كل من حوله لزيارته؛ ليكون المكسب الاستمرار والإدامة لي ولمن حولي؛ بل للأجيال القادمة ومنهم أسرتي وذريتي.

وأخيرًا.. ولأنني لا يمكن أن أحدد كل الجهات والأفراد التي تتعامل مع السياحة ومستقبل السياحة الثمين والبديل عن النفط، فإنه وإذا كان التخطيط والاعتقاد بأن النجاح في هذا الجانب الحيوي سيتم بطرح المناقصات المليونية، فإن هذا التفكير- مع فائق احترامي- يبقى محدودًا، وأن الطريق الصحيح يتمثل في تسخير كل ما يملك الوطن من تنظيم ومرافق وفرق وطقس وتضاريس والإرث الفني اللامادي، وبعمل مشترك يُنظر من خلاله إلى مصلحة الوطن والمواطن العليا وبشكل عام، وإن أولى هذه الأدوات هو المواطن الواجهة؛ ولذلك فإن السياحة وطن.