الخوف.. فكرة

 

طارق بن هاني

تتراءَى لنا الأشياءُ. لا كما تبدو لأعيننا، أو لحواسّنا. بل كما تبدو لأفكارنا التي لا نختارها. إنني أدركُ – وفي وقت متأخرٍ جدًّا – أنَّ الأفكار التي تنطبع بداخلنا، فتصنع عواطفنا، ومواقفنا، والتي تحتفظ برصيد من المخاتلة، لا يشبه ذلك الذي للمحسوسات. بمقدورها أن تلغيَنا في مقابل الحفاظ على وجودِها، واستدعاء مسوِّغاتِ وشروط ذلك الوجود، بل وتكريسه.

تقاس خبرتنا بالحياةِ، وبمن في الحياةِ، بقدر تعرُّضنا للآلام لا تمسُّكنا بالآمال. والأفكار بناتُ الآلام لا الآمال. فالألم – وفق ذلك - يغدو فكرةً عن الحياة، والتشاؤم فكرة عن الحياة، والخوف فكرة عن الحياة، ولأنَّ الإنسان – كما قرأتُ ذات مرةً – ميَّال إلى السلبيةِ، تجد تلك الأفكار حاضناً لها، يكفلها، ويرعاها، إلى أن تفطم، فتستولي على الوعي، من منطقها هي.

مثل فكرة الخوف الذي تثب إلينا في أغلب مناسبات الحياة. فإنَّ مواجهتها – المواجهة فقط - تستنزف كثيراً من أعمارنا، التي لا نعيشها كاملةً بسببها. وإن عدم مواجهتها ليس خيارًا بأيدينا، كما أن التخلص منها ليس بالأمر المطروح أصلاً. لماذا؟

إنّ شعور الخوف، الذي يجثم على أعناق الأمان المنشود. هو خوفٌ من شيء، موجود ومتعذِّر، لا نجهله، ولا نعلمه، لا نقبله، ولا نرفضه. هو ذلك الشيء الذي يجعل العالم – يبدو - وكأنه يسيرُ إلى حيث يُريد أحدُنا ثم لا يريد! أو حيث يفقد أحدنا إنسانيّته ويكتسبها! إننا نخاف دائماً ولا نفعل شيئاً سوى أننا نخاف. وما دام الخوف فكرة. فإنّنا سنخاف. وما دام اليوم ابناً للأمس فإننا سنخاف، وما دامت الخيبات شعارا للمرحلة فإننا سنخاف. وما دام الصدق مستباحا فإننا سنخاف، وما بقي الأمر على حالهِ هكذا، فإننا سنخاف. الخوف موقفنا الجمعيّ، الذي نعترض به على وجودنا الجديد. ذلك كل ما في الأمر.

تمت...

تعليق عبر الفيس بوك