علّمتنا السياسة العمانية

 

 

راشد بن سباع الغافري

 

المدرسة السياسية العُمانية التي أبهرت العالم؛ هي أيضًا مُبهرة حين تطبيقها على حياة الفرد منِّا أو على الأسرة والعائلة، ويمكن تعلُّم الكثير منها فيما يتعلق بكيفية إدارة شؤوننا وتعاملاتنا الفردية والأسرية، فهي أقرب إلى أن تكون منهج حياة؛ ولهذا نقول: علّمتنا السياسة العمانية أنَّ كثرة الضجيج حين نشوب الخلافات لا يُؤدي إلى حلها؛ وإنما يفقدها لحظات الصفاء والهدوء التي يمكن أن تستثمر للاستماع للآخر، ومحاولة الوصول معه إلى حل أَو توافق في الرؤى، ولهذا على رب الأسرة ألا يسمح بكثرة الضجيج حين ظهور مثل هذه الخلافات حتى لا تتلف حلقة الوصل بين أفرادها.

علّمتنا السياسة العمانية أن الاعتماد على الذات والتعاضد والتلاحم بين أفراد الأسرة هو أقصر الطرق للتغلب على الصعوبات والمشاكل التي قد تعترض مسيرة تلك الأسرة، وأن إفساح المجال لتدخلات خارجية قد يُفسد ذلك التلاحم، ويجعل أفراد الأسرة إتكاليين معتمدين على ما يُقدمه الآخرون، وهو ما قد يكون مدعاة لإفساد كثير من أوجه العلاقة بين أفرادها حتى وإن كان ذلك التدخل بحسن نيّة.

علّمتنا السياسة العمانية أهمية الثبات على المبدأ، وأهمية الالتزام الخُلُقي، فليس كمثل الثبات على المبادئ والأخلاق الراقية يُكسب الاحترام من الجميع، وعلى هذا فعلى رب الأسرة أن يضع مبادئ أخلاقية لإدارة الأسرة يلتزم بها الكل، وتكون نهجاً يسير عليه أجيالها المتعاقبة.

علّمتنا السياسة العُمانية ضرورة أن يكون للأسرة كبير يُحترم، ويكون مرجعاً لحل الخلافات، والتوفيق بين مختلف الآراء بدلا من التخبط في الحلول، وألا يترك أمر الأسرة لصغار العمر؛ لأن هؤلاء قد يفسدون كل شيء بحماسهم وتهورهم، وقصر نظرهم، وقلة خبرتهم في الحياة، وافتقادهم للحكمة في تسيير الأمور.

علّمتنا السياسة العمانية أنه في حياة الأسرة قد تظهر قضايا تافهة لا تستحق الالتفات إليها، وقد يظهر أشخاص تافهون لا يستحقون إعطاءهم أكبر من حجمهم، ولهذا على رب الأسرة أن يصرف عقول أفراد أسرته وأفكارهم إلى معالي الأمور، ورقيّ الفكر، وتحقيق التطلعات والأهداف التي تنشدها الأسرة.

علّمتنا السياسة العمانية أنّ ليس كل ما يُقال أو يكتب يستحق الوقوف عليه أو الرّد عليه، فبعض الأقزام يمكن أن يتطاولوا كثيرًا كلما سنحت لهم الفرصة؛ والحكيم من تجاهل هؤلاء وتغافل عن الزلات، وعلى رب الأسرة أن يُدرك أهمية التغافل عن بعض الزلات التي قد يقع فيها أفراد الأسرة، لأن كثرة التدقيق على اللفظ أو الفعل قد يورث كثيرًا من الظواهر النفسية في أفرادها، هذا مع عدم إغفال التنبيه أو التنويه إن لزم الأمر.

علّمتنا السياسة العُمانية أن الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وفي مختلف القضايا يُكسبك الاحترام والتقدير، ويجعلك محل ثقة بين الجميع، وعلى رب الأسرة أن يكون عادلا مع أفراد أسرته في العاطفة والمادة، وفي كل شيء يتطلب العدل بينهم؛ ليُمكّن الجميع من احترام بعضهم والثقة في بعضهم البعض.

السياسية العُمانية مدرسة حكيمة مستمدة من الدين الحنيف، ومن أصول العرب، ومن التقاليد العُمانية الراقية والراسخة، من أخذ بها أفلح، ومن عمل بمقتضاها تبوأ وأسرته مكانة خُلقيّة عالية في المجتمع وعلى مستوى الوطن.

فلتكن هذه المدرسة الحكيمة موردنا في النظرة إلى الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية بكل تعاملاتها؛ حتى نصل بأنفسنا ومن حولنا إلى السلام الداخلي والمواطنة الصالحة، وتنشئة الجيل المتمكن الذي ينشده الوطن للارتقاء به في شتى المحافل.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة