هل يصعد النفط إلى 200 دولار؟!

 

د. محمد بن عوض المشيخي

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

 

"النفط على أعتاب 200 دولار للبرميل".. هذه ليست أمنية أو أحلام يقظة من الدول المُدمنة للنفط كما يحلو للبعض أن يطلق علينا نحن هنا في الخليج؛ بل هذه إحدى الدراسات الاستشرافية حول مُستقبل سعر النفط خلال الأعوام القادمة، وبالفعل تضاعف سعر برميل النفط الذي كانت قيمته في شهر أبريل 2020 أقل من 28 دولارا للبرميل؛ بسبب (جائحة كورونا "كوفيد-19") التي أجبرت الناس على الجلوس في المنازل، ونتج عن ذلك الوباء إغلاق المصانع والمحلات التجارية في معظم دول العالم؛ إذ يحوم البرميل الآن حول 85 دولارًا.

ومن المتوقع أن يواصل صعوده إلى أكثر من 100 دولار قبل نهاية هذا العام؛ وذلك حسب معظم الدراسات المتعلقة بالطاقة، ويعود ذلك إلى تعافي الأسواق العالمية وانحسار وباء كورونا بفضل اللقاحات التي حقنت لمئات الملايين من البشر حول العالم؛ مما عجل بعودة الناس إلى أعمالهم في مختلف دول العالم. فقد كان العالم يستهلك أكثر من 100 مليون برميل يوميا، ثم تراجع الاستهلاك من النفط إلى 75 مليون برميل في اليوم طوال العشرين شهرا الماضية فقط.

لعلنا نتذكر جميعاً التراجع الحاد لسعر برميل النفط العام الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي وصل إلى أقل من دولار أو القيمة الصفرية كما يحلو للبعض أن يسمى ذلك الانهيار التاريخي الذي حدث لأول مرة في عهد الرئيس السابق ترامب. فقد ترتب على ذلك إفلاس عدد كبير من شركات النفط الصخري في أمريكا وخروجها من سوق التنقيب عن النفط، فبرميل النفط الصخري تكلفته عالية جداً وتصل في المتوسط إلى ستين دولاراً للبرميل كأقل  تقدير.

يبدو لي أننا نعيش من جديد عصر الرخاء النفطي، إذا ما صدقت التنبؤات والبحوث المتعلقة بأسعار النفط في المستقبل القريب. إن هذه الأجواء تعود بنا لعقد السبعينات من القرن الفائت وتحديدا عام 1973 إبان حرب رمضان (أكتوبر 1973) المجيدة التي مكنت الجيوش العربية من إعادة اعتبارها بعد نكسة يونيو (1967) واستعادة بعض الأراضي المحتلة من الكيان الصهيوني، خاصة الجيش المصري الذي كسر أسطورة ما يعرف بخط برليف، وعبور هذا الجيش قناة السويس ودحر الصهاينة في سيناء. هذا التاريخ يسطر بأحرف من نور مواقف مشرفة لقادة الخليج والجزائر وليبيا والعراق الذين وقفوا وقفة تضامنية مع الأشقاء في مصر وسوريا أثناء الحرب، وتم توقيف وحظر تصدير النفط العربي إلى الدول الغربية المساندة لإسرائيل في احتلالها للأراضي العربية. فهناك مقولة خالدة للملك فيصل بن عبد العزيز- طيب الله ثراه- حول هذا الموقف، إذ قال "البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي". لقد ترتب على هذه المُقاطعة العربية ارتفاع أسعار البترول إلى أضعاف مضاعفة من 7 دولارات للبرميل قبل الحرب إلى أكثر من 40 دولارا خلال بضع سنوات. وأدت هذه الطفرة النفطية التي شهدتها المنطقة والمتمثلة في ارتفاع أسعار الذهب الأسود (النفط) إلى مستويات قياسية غير مسبوقة إلى ازدهار اقتصادي وتنمية اجتماعية وطفرة في المباني والطرق والبنى الأساسية في مختلف الدول المنتجة للنفط العربية والخليجية على وجه الخصوص. وفي العقود الثلاثة التي تزامنت مع ارتفاع أسعار هذه السلعة؛ اعتمدت الموازنات العامة للدول الخليجية على الدخل من ريع البترول بشكل شبه كامل؛ فقد غابت عن هذه الدول وضع استراتيجيات حقيقية لتنويع مصادر الدخل واستثمار الجزء الأكبر من الأموال في صناديق سيادية لتنميتها في المستقبل للأجيال القادمة عند نضوب هذه السلعة الموقتة بفترة زمنية معينة.

لكن.. أين نحن من تجربة مملكة النرويج الفريدة من نوعها في العالم؟ فقد قررت الحكومة اتباع سياسة مُغايرة لما هو متبع في الدول التي تعاني من ما يعرف بلعنة النفط؛ حيث تتمثل هذه التجربة باستخدام 4% من إيرادات النفط فقط، بينما تذهب الإيرادات الأخرى إلى صندوق الثروة السيادية للأجيال المستقبلية في هذا البلد الذي يقع شمال أوروبا، فقد وصلت أصول الصندوق النرويجي إلى ألف وثلاثمائة مليون دولار هذا العام 2021م مسجلاً بذلك واحدا من أكبر الصناديق السيادية في العالم.

يجب الاعتراف بإدماننا للنفط؛ مما ترتب على ذلك تعرض دول المنطقة للأزمات والنكسات عند نزول الأسعار إلى ما دون سعر التكلفة في بعض الأحيان وذلك لفشلها في استخدام إيرادات النفط التي تُقدر بمليارات الدولارات خاصة في وبداية الألفية الجديدة عندما وصل سعر برميل النفط إلى أكثر من 120 دولارًا، إذ كانت الفرصة سانحة لهذه الدول للعمل على إيجاد مصادر دخل بديلة للنفط، وذلك بتنمية القطاعات الزراعية والسمكية، والسياحية وإقامة صناعات وطنية ترفد الأسواق المحلية بما تحتاجه بدلاً من الاستيراد من الخارج.

لا شك أنَّ هناك سيناريوهات أخرى لمستقبل الطاقة كالنفط والغاز والفحم وتأثيرات هذه الأنواع على البيئة أو ما يعرف بالتغير المناخي؛ ولعل جهود الأمم المتحدة ودول العالم التي وقعت على اتفاقية باريس للمناخ والتي تدعو بشكل واضح إلى استخدام الطاقة الخضراء والمتجددة كالرياح وأشعة الشمس والمياه بديلاً عن الطاقة التقليدية الملوثة؛ لتقليل من انبعاث غازات الاحتباس الحراري وإنقاذ الكوكب من ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في المحيطات وغير ذلك من الأعاصير والفيضانات لا تزال ضمن الخيارات المطروحة على الطاولة.

عُمانيًا.. اعتمدت الحكومة على النفط والغاز لمدة خمسة عقود متتالية في إنفاقها على مُختلف المشاريع التنموية وصرف الرواتب ومختلف المصروفات الجارية، فالنفط يُشكل العمود الفقري للدخل الوطني ففي عام 2017م على سبيل المثال شكلت عوائد النفط والغاز ومشتقاتهما ما نسبته 78% من ميزانية الدولة في البلاد. وعلى الرغم من ذلك، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم إدراك الخبراء وصناع القرار في السلطنة، خطورة الاعتماد على مصدر أحادي وهو قابل للنضوب في قادم الأيام وكذلك يخضع بيعه للقرارات السياسية والاستقطابات والأحلاف بين الدول؛ فالدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية تضغط باستمرار على دول المنطقة لزيادة إنتاجها لإغراق أسواق النفط العالمية بكميات كبيرة من الفائض لكي تحافظ على أسعار مُناسبة لمصلحتها الاقتصادية؛ غير مراعية للدول الأخرى التي تعتمد موازنتها السنوية على هذه السلعة.

وأدركت مجموعة "أوبك بلس" وخاصة السعودية خطورة ما يجري في بورصات العالم من تلاعب بهذه السلعة وبيعها بأثمان بخسة قد لا تغطي في بعض الأحيان تكاليف الإنتاج؛ كما هو الحال في بعض الدول ذات التكلفة العالية في استخراج النفط مثل السلطنة التي يبلغ متوسط تكلفة البرميل فيها 9 دولارات، من هنا ظهر على السطح اتجاه جديد بين المنتجين يمثله وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي قاد في الصيف الماضي جهودا مقدرة لتوحيد المنتجين ورفع سقف الأسعار من خلال تخفيض الإنتاج ولو مؤقتا حتى تعوض أسواق النفط خسائرها.       

وفي الختام.. يجب أن لا يتكرر السيناريو السابق والخاص بـ"رؤية 2020" والذي كان من المفترض أن يكون هناك تنوع في مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على النفط إلى أقل من 50%، لذا يجب الالتزام بما ورد في رؤية "عمان 2040" والتي من المتوقع أن تسهم القطاعات غير النفطية فيها بنسبة 93% من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة بنهاية الخطة، هذا إن أحسنا تنفيذ وإدارة موارد البلد، وكذلك كانت الدراسات القائمة عليها رؤية دقيقة.