عمرها 4500 سنة.. اكتشاف أقدم مبخرة فخارية في تاريخ السلطنة

مسقط- العمانية

اكتشف قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، أقدم مبخرة أثرية مصنوعة من الفخار يعود عمرها لأكثر من 4500 سنة بمنطقة وادي السخن بالقرب من قرية دهوى الواقعة حوالي 24 كم غرب ولاية صحم. 

وقام القسم بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة بالبحث الأثري في المنطقة منذ أكثر من ثمانية سنوات نتج عنها اكتشاف أعداد كبيرة من المواقع الأثرية تنوعت بين القلاع، والأفلاج، والمدافن، والمناجم، والمستوطنات التي يعود تاريخها إلى آلاف السنوات وتمتد من العصور الحجرية حتى الفترات الإسلامية المتأخرة. 

وقد ركز قسم الآثار في دراسته بمنطقة وادي السخن على البحث عن طبيعة النشاط الإنساني في مرحلة العصر البرونزي المبكر، وخاصة في الفترة المسماة بثقافة أم النار، التي يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة بين 2700 حتى 2000 قبل الميلاد.  وتم الكشف عن خمسة مواقع أثرية مهمة تعود إلى هذه الفترة، تتميز بأنها قريبة جدًا من بعضها البعض، وتنتشر على ضفتي وادي السخن بمساحات كبيرة؛ ما دفع القسم إلى وضع خطة طويلة الأمد لدراسة تلك المواقع، والكشف عن أسرارها، والتعرف عن قرب على الأقوام التي سكنت تلك المواقع، ومدى التطور الثقافي الذي وصل إليه السكان آنذاك خاصة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. 

وواصل قسم الآثار منذ عام 2014م وحتى عام 2021م التنقيب في تلك المواقع تحت إشراف كل من البروفسور ناصر الجهوري والدكتور خالد دغلس، ومشاركة عدد من الأساتذة في القسم، ومن طلبة الدراسات العليا. 

وكشفت التنقيبات الأثرية عن وجود مستوطنات كبيرة تضم عددًا كبيرًا من المباني، كانت موزعة نوعا ما حسب مخطط وضع مسبقا، أي قبل بناء المستوطنة، وضمت المستوطنة الواحدة عددا من المباني السكنية إضافة إلى مبان عامة بُنيت من الحجارة وليس من الطوب الطيني، وأكثر ما تميزت به المستوطنات هو وجود المباني العامة وطريقة توزيعها، وضمت كل مستوطنة مبنى دينيا واحدا استُخدم معبدا لممارسة الشعائر الخاصة التي كان يؤمن بها السكان آنذاك، كذلك ضمت المستوطنة الواحدة عددا من المدافن الجماعية التي بنيت بشكلٍ دائري، ومقسمة من الداخل إلى عدد من حجرات الدفن؛ ويضم المدفن الواحد رفات أعداد كبيرة من السكان دُفنت معهم مرفقات جنائزية متنوعة مثل الأواني الفخارية الصغيرة، والأواني المصنوعة من الحجر الصابوني، إضافة إلى الحُلي، وبعض الأدوات المعدنية.

وكانت كل مستوطنة تضم مبنى ضخما به أكثر من سبع حجرات كبيرة وحوش أو فناء واسع، ومن الأمثلة على هذا النوع من المباني هو المبنى رقم 10 في مستوطنة دهوى 1 (DH1:S.10)، حيث كشفت التنقيبات الأثرية أن هذا المبنى استخدم لعدة وظائف منها كمخزن لحفظ البضائع المستوردة، ومكان لصهر النحاس، ومسكن. وعثر بداخله على أعداد كبيرة من جرار التخزين المستوردة من بلاد السند (باكستان حاليا)، إضافة إلى عدد من مواقد النار، وأفران صهر النحاس، وعدد كبير من الحلي التي كانت على شكل خرز مصنوع من الصدف، وعدد من الأدوات النحاسية.  وعثر على المبخرة الفخارية Incense Burner داخل هذا المبنى بالقرب من أحد المواقد، وهي مكتملة ومصنوعة من الفخار، ويشبه شكلها المباخر التي يستعملها العمانيون في الوقت الحاضر، فهي تتكون من قسمين: عُلوي على شكل صحن غير عميق دائري الشكل محمول على قاعدة مصمتة مرتفعة على شكل كأس.

ويبلغ قطر صحنها 9.4سم وارتفاعها 8.2سم وكانت نتيجة الدارسة التحليلية والمقارنة التي قام بها كل من البروفسور ناصر الجهوري والدكتور خالد دغلس، والتي تم نشرها حديثاً في مجلة آثار الشرق الأدنى (Near Eastern Archaeology, Vol. 84.3) التأكيد على أن هذه المبخرة هي الأقدم اكتشافا في سلطنة عمان على الإطلاق؛ حيث تم تأريخها بواسطة الكربون المشع 14 إلى الفترة الممتدة من 2300-2200 قبل الميلاد، وقد تم إجراء التحليل في مختبرات جامعة جورجيا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ للتأكد من وظيفة المبخرة، والتعرف على أنواع البخور التي كان يستعملها السكان القدماء وتم أخذ عينة من داخل المبخرة وإرسالها إلى معهد ماكس بلانك (Max Blank Institute) الشهير في ألمانيا؛ حيث أشارت الدراسات الأولية إلى وجود آثار من الزيوت النباتية على جسم المبخرة من الداخل، وما تزال أعمال التحليل جارية للتعرف بشكلٍ دقيق على نوع تلك الزيوت المستخدمة. 

يشار إلى أنه تم العثور على مبخرة في موقع رأس الجنز سنة 1996م يعود تاريخها إلى 2200 قبل الميلاد، وهي مصنعة من الحجر الجيري الأبيض، وعلى شكل صحن مستطيل له أربعة قواعد قصيرة، وعثر بداخلها على بقايا لمادة البخور، التي تم تحليلها فكشفت عن استخدام مادة اللبان في تلك المبخرة. ويعد هذا أقدم دليل على استخدام اللبان في عُمان.

تعليق عبر الفيس بوك