الأعاصير وصمامات الأمان

 

 

المكرم/ أحمد بن عبدالله الحسني

 

ما تزال مشاهد التأهب الوطني الكبير، قيادةً وحكومةً وشعباً، في إدارة حدث الإعصار والتعامل مع تأثيراته محط أنظار الكثيرين داخل وخارج السلطنة؛ باعتباره أحد حوادث الطوارئ الكبرى في العالم، فكانت سلامة الإنسان وحماية الأرواح في مقدمة الأولويات برهاناً لدولة أجهزتها مسؤولة، وتأكيداً للمحور الرابع من محاور رؤية "عمان 2040"، فخالص التحايا للرجال الشجعان أبطال الفريق الوطني للبحث والإنقاذ وزملائهم في كافة القطاعات "والحمدلله أن جعلَنَا أمةً مُتلاحمةً، يتآزرُ أبناؤها صفّاً واحداً، لا ينالُ من عزائِمِهِم هولُ الشدائدِ والمحن"، كما جاء في الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم حفظه الله ورعاه بتاريخ 11 /10/ 2021.

نحن في عصر التحول والتغير المناخي الحاد الذي يفرض على العالم أجمع واقعاً جديداً يتطلب منِّا أن نكون مستعدين له بحلول مستدامة، فلكل شيء في الحياة صمامات أمان إن تم الاعتناء بها واختياراتنا وتوجهاتنا ستحدد أوضاعنا ومصيرنا، وأحد أشكال الاقتصاد هو اقتصاد الحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع الظواهر الطبيعية والمتغيرات المناخية وجعلها في حدود التأثيرات غير الخطيرة بشرياً ومادياً وتطويع الاستفادة منها كأمن مائي وزراعي ولأمن الطاقة.

هنا في هذا المقال وددت مشاركتكم بعض الإضاءات لعلها ذات فائدة لجهات الاختصاص والتي بلاشك أنها وكافة المؤسسات في مختلف القطاعات تعمل حالياً بشكل حثيث في هذا الإطار، متخذةً من الخطاب السامي وتوجيهات جلالته حفظه الله ورعاه لمجلس الوزراء الموقر بتاريخ 12 /10/ 2021 منهاج عمل مُتكامل بشأن ملف الأنواء المناخية ومعالجة التحديات الكثيرة المرتبطة به. وأول هذه الإضاءات عقد مختبر وطني لمدة 10 أيام عمل يدعى إليه العلماء والخبراء المتخصصون والمسؤولون المعنيون والعارفون بجيولوجيا عُمان وطبيعتها الجغرافية والمناخية لتدارس أفضل الممارسات العالمية في مجال الحد من مخاطر الأعاصير والعواصف والمنخفضات المدارية العميقة وأنجح التجارب الدولية والعلمية فتكون جميع النتائج والخلاصات والتوصيات مخرجات وطنية لهذا المختبر الاستراتيجي المتخصص وتحويلها إلى خطة عمل متكاملة خلال المرحلة التنموية القادمة تجمع بين الحلول الفنية المستدامة والتشريعات القانونية الحازمة.

الإضاءة الثانية تتعلق بأهمية وجود تشريع قانوني قوي للتخطيط العمراني ومسارات البنية الأساسية، ليكون هذا القانون خط الدفاع الأول للوقاية والتصدي وتقليل الأخطار والأضرار، ومرتكزاً لاحترام الهندسة الربانية لمناكب الأرض وطبيعتها والحزم عند التعدي عليها والتشديد بشأن حوكمة إحرامات الأودية والشواطئ والأخوار ومجاريها وحماية السكان من فيضاناتها وامتدادات مناسيب المياه المرتبطة بتقلبات المناخ، وتضمين القانون مواصفات ومعايير كود البناء العماني الذي يتلاءم مع طبيعة السلطنة أرضاً ومناخاً ومع متغيرات العصر إنشائياً وتقنياً من حيث خفض كلفة البناء وتوفير الطاقة والمتطلبات الجديدة للسلامة والصحة العامة.

سيكون هذا القانون خير داعم ومنظم للاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية وأهم تشريع تنموي وحضري يُعين الجهاز الإداري للدولة لتعزيز الحوكمة وتفعيل الرقيب والحسيب في ما يخص أية انتهاكات أو تجاوزات تخطيطية وعدم واقعية مواصفات بعض مشاريع البنية الأساسية مع الظواهر والبيئة الطبيعية والعمرانية المحيطة بها؛ صونًا للمنجزات والتنمية التي أنفقت عليها الدولة الكثير من الموارد والاستثمارات وبذلت لأجلها الجهود والطاقات طوال السنين وضماناً للتطلعات وأماناً بشرياً ومادياً مُستداماً؛ لأنه لا يمكن أن يستمر التخطيط العمراني براً وبحراً وجبلاً هكذا مفتوحاً إلى ما لا نهاية دون سد الخلل الفني والحزم والمساءلة في كل شؤونه.

وثالثاً: تحديث قانون الطوارئ وقانون الدفاع المدني اتساقاً مع الدروس المستفادة من الحالات الطارئة التي شهدتها البلاد والمواءمة بينهما كتشريع استراتيجي موحد، فأسس واشتراطات الدفاع المدني غايتها النهائية السلامة العامة من أية حالات طارئة عادية أو استثنائية، فتُبنى عليه مستويات الجاهزية والاستجابة والإدامة وتنظيم كافة أشكال الأدوار الميدانية لجميع الجهات الرسمية والخاصة والمجتمعية سواء في حالات الطوارئ الكلية أو الجزئية.

رابع هذه الإضاءات؛ إعادة الأهمية الهيكلية والمعنوية للبيئة ولشؤون المناخ؛ باعتبار هذا المجال أحد أهم أولويات وانشغالات العالم، ولطالما كان للسلطنة زمام السبق في تنبيه المجتمع الدولي منذ عقود مضت ولفت الأنظار إلى ضرورات ومتطلبات التصالح مع البيئة والحذر من تغيراتها، ومن خلال الواقع الحالي يتضح أن رفع المستوى التنظيمي لهيئة البيئة إلى وزارة سيكون أجدى عملياً بدمجها مع وزارة النقل، وبكل تأكيد هذه الجوانب متروكة لأهل الاختصاص وهم الأقدر والأدرى بها وإنما الهدف توضيح الفكرة، فتنظيمها مع النقل يجعل البيئة أقرب بصورة منطقية لمنظومة الأرصاد الجوية والمركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة بهيئة الطيران المدني فتصبح الوزارة كأحد المسميات على سبيل المثال "وزارة النقل والبيئة والتغير المناخي" علماً بأنَّ قطاع شبكات النقل واللوجستيات له ارتباطات وثيقة بالسياسات البيئية والتأكيد على التغير المناخي كرسالة صريحة للسلطنة لدواعي محلية والتزامات دولية. في حين يتفرغ قطاعا الاتصالات وتقنية المعلومات كأحد الأمثلة كذلك لا أكثر كوزارة فنية متخصصة بمسمى "وزارة التقنيات والاتصالات والاقتصاد الرقمي"؛ حيث في عالم اليوم لم يعد مسمى "تقنية المعلومات" إلا نقطة جزئية تقليدية في بحر التقنيات الواسع وما أصبح يعرف عالمياً بالثورة الصناعية الرابعة.

وختامًا.. لا شك أن لدى الجهات المختصة الكثير من الممكّنات الداعمة والمكمّلة لهذا الملف الوطني المهم ومسرّعاته التنفيذية وهم بعون الله قادرون ولرسم خارطة الحلول ودرء المخاطر مسؤولون.

تعليق عبر الفيس بوك