مياه الأمطار داخل المدن.. ما الحل؟!

 

عبد الله العليان

تُعاني بلادنا مع دول كثيرة في القارة الآسيوية والقارة الإفريقية، وغيرها من دول العالم، من الحالات المدارية، ومن الأعاصير الكبيرة، والشيء اللافت أنها ازدادت في العقود الأخيرة بصورة ربما أكثرة قوة مما حصل قبلها بالنسبة لبلادنا وكذلك في القارة الآسيوية.

لا شك أن لهذه التغيرات أسبابها العلمية والبيئية، كما قرأت في بعض التحليلات العلمية لظاهرة الأعاصير، وحتى وباء كورونا، لم يأت من أسباب سياسية، كما يقال من البعض من أصحاب التفسيرات المؤامراتية لهذا الوباء، أو من الصراعات الدولية؛ بل إن أسبابها بيئية وزحف الإنسان على البيئة وتخريبها. ونتيجة لهذه الحالات المدارية والأعاصير التي أصبحت تزداد مخاطرها على المدن العمانية، خاصة بسبب كثافة الأمطار الغزيرة، وتسببت في مشكلات عدة، فالإعصار الذي ضرب مُحافظتي ظفار والوسطى عام 2018، أو قبل ذلك الإعصار الذي ضرب العاصمة مسقط وبعض الولايات القريبة في 2007، وأخيرًا الإعصار الذي ضرب العاصمة مسقط في 2021، وازداد قوة وتأثيراً على محافظتي شمال وجنوب الباطنة؛ لهو أحد مخاطر هذه الحالات المدارية التي لها من الآثار المادية والجسدية، وفي غيرها من الأسباب.

الحقيقة أن هناك العديد من المشكلات والمخاطر الناجمة عن هذه الأعاصير- التي هي مسلّمة طبيعية لا مفر منها لأنها مسألة كونية طبيعية- لكن بالنسبة لبلادنا عُمان فهذه الحالات تتكرر مرة كل عامين أو ثلاثة أعوام أو ربما أقل كما حدث في حالات سابقة، وهذه تشكل معاناة كبيرة ليست سهلة، خاصة لسكان القرى والبادية وحتى بعض المدن، ويأتي التأثير الكبير على المباني السكنية للمواطنين والمقيمين، أو التأثير الذي تلحقه الحالات المدارية، أو الأعاصير على وسائل الاتصالات والكهرباء والطرق الإسفلتية. وهذه التأثيرات تتطلب مُراجعة تخطيطية شاملة بما يُخفف من حجم الخسائر والآثار، ومنها إيجاد مخارج لمياه الأمطار، بحيث تكون هناك منافذ يتم وضعها لتساهم في التقليل من تجمع المياه التي تدخل البيوت، أو التي تجرف السيارات الواقفة، أو تمنع التنقل. صحيح أن هذه الحالات والأعاصير، فوق طاقة قدرات البشر وقدراتهم أحياناً، وهذا يحدث حتى في الدول التي بلغت من الإمكانيات العلمية والمادية الكثير من القدرات، لمواجهة مثل هذه الأعاصير.

لكن هناك سلبيات ساهمت منذ السبعينات من القرن الماضي في ظهور بعض الإشكالات، فعند توزيع الأراضي، وهذه أعتقد في أغلب الولايات، حيث تم توزيع أراضٍ سكنية وتجارية، في أماكن منخفضة، وبعضها مساكن حتى في مجاري الأودية!! وهذه بلا شك ساهمت في ما حصل من دخول الأمطار إلى المساكن والمتاجر والمؤسسات الحكومية؛ سواء في إعصار جونو في 2007، عندما دخلت تأثرت المنطقة التجارية في القرم، ومقر قيادة الشرطة، أو محافظة ظفار في 2018، ودخول مياه الأمطار في المباني في منطقة عوقد بصلالة الشرقية، والسبب أنها تقع في أماكن منخفضة، أو قريبة من مجاري السيول. وهذه إحدى المشكلات التي سببت مُعاناة للمواطنين، لذلك أحيانًا تتجمع المياه ولا تعرف مخرجًا لها، ومن الطبيعي أن تدخل البيوت الواقعة في أماكن منخفضة!

الأمر الآخر الذي لا يقل إشكالية عن توزيع الأراضي في الأماكن المنخفضة، قضية الطرق المعبدة، ففي محافظة ظفار، مع بعض الحالات المدرية في 2018، وفي طرق رئيسية، نجد أن الأسفلت، اقتُلع تماماً من الأرض، وكأنه العمل في هذه الطرق مجرد قشرة إسفلتية بعد تماسكها مع الأرض، وأن لا دخل بالأرضية التي تحتها! هنا تبرز إشكالية عدم الالتزام بالمواصفات التي وُضعت لهذه الشركات التي تم إرساء العطاء عليها، وهذه مسؤولية الوزارة المعنية بالطرق، كي يتم التدقيق والمحاسبة، وألا تترك الأمور هكذا دون تحقيق وبحث، فيما جرى لهذه الطرق.

إن الذي خفف من آثار إعصار شاهين، تلكم الملحمة الكبيرة لأبناء الوطن من كل محافظات بلادنا، سواء كانت في جانب المساعدة العينية أو النقدية، أو الإسهام في المساعدة الميدانية للمباني والطرق، سواءً من الشباب العماني، أو من الجيش والشرطة، فالشعوب الحية المتماسكة، عندما تواجه الظروف الاستثنائية الطارئة، فإنِّها تتحول إلى ينابيع من الحراك الوطني الاجتماعي، ومظهراً لافتاً من الشجاعة والقدرة على اجتياز والمحن والمصاعب والمشكلات أياً كان مستواها وأثرها في الواقع المعاش. وقد أشرت في مقالات سابقة إلى مسألة التلاحم الوطني؛ حيث إننا بقدر ألمنا وتأثرنا لإخواننا المتضررين في الولايات المتأثرة، إلا أنَّ استنهاض كل العمانيين الذين لم يلحقهم ضرر هذا الإعصار بتقديم كل العون والمساندة جعلنا نسعد ونفرح بهذه الروح العمانية الوثابة، وهو ما توقعناه أن يكون كما كان. لكنها تظل علامة إيجابية في ظل التحولات العصرية الحديثة التي جعلت الكثير من الشعوب والأمم تنكفئ على نفسها، وتنعزل وتجعل شعار "اللهم نفسي" فقط باعتباره المحرك الذاتي لواقعها وفكرها ونشاطها اليومي.

فهنيئًا لأنفسنا هذا التلاحم الوطني والتماسك الاجتماعي والإنجاز الميداني لجهود الإغاثة والمساعدة وتأمين الخدمات وغيرها من الإسناد والدعم.