أيُّها الافتراضيون: إلى أين نحن مُتجهون؟

 

بدر بن زاهر الكيومي

baderalkiyumi@hotmail.com

 

منصات الإعلام الجديد في تكاثر، جرأة في الطرح، أداء وقرارات المؤسسات على طاولة مكشوفة، سخط على الواقع، أطروحات تأتي بحلول قيمة، وأخرى تحمل رؤية سوداوية متشائمة للمستقبل، منشورات توعوية مفيدة، مهاترات بين شعوب البيت الخليجي، مُستخدمون من أعمار مختلفة بأسماء حقيقية ومستعارة، العالم يلتقي في غرف ضيقة، ثقافة الانتقاد والسلبية أصبحت مُنتشرة في هذه المنصات، ولكن بالجانب الآخر حسابات لمن أراد الاستفادة، من لم يكن في الفترة السابقة متابع للأحداث الداخلية والخارجية، أصبح اليوم مُتابعاً شرساً يدلو بدلوه، ليخرج لنا متابعون آخرون ينتقدون السلبية المنتشرة في هذه الوسائل.

لهذه المنصات معولان؛ المعول الأول يكون ذا توجه إيجابي، يعمل على نشر إيجابيته على هذه القنوات، يطرح رؤاه وأفكاره ومواضيع مفيدة، حتى انتقاداته تحمل نقداً بناءً يستفيد منه المرسل والمتلقي، بينما في الجانب الآخر هناك أناس آخرون يحملون معول الهدم والسلبية، فتجدهم يتصيدون في الماء العكر، ووظيفتهم مرتكزة على تضخيم المواضيع والنقد من أجل النقد.  

عند بداية انتشار ما يُسمى بـ"الإعلام الجديد" خاصة في السنوات الأولى من العقد الماضي، نشأت جدلية كبيرة حول مستقبل هذا الإعلام مجهول الهوية، وهل فعلًا هناك أمل بأن يقضي على الصحافة الورقية؟ لقد شاهدنا إمبراطوريات إعلامية تُغلق أبوابها وتتجه نحو العالم الافتراضي مثل صحيفة الإندبندنت البريطانية وغيرها من الصحف، وكانت صحيفة الإندبندت التي جفَّ حبرها في عام 2016 تبيع ما لا يقل عن 420 ألف نسخة يومياً بينما في سنواتها الأخيرة لم تتمكن من بيع 40 ألف نسخة، ولكن هناك صحف ما زالت صامدة تُواجه وتُواكب التطور.

في حديث مع  أحد الأصدقاء مُعلقاً على بعض التغريدات التي تنشر، قال: "جماعتكم في الإعلام ابتعدوا عن الساحة وتركوا الباب على مصراعيه للإعلام الجديد، هذا الابتعاد أفقدنا لذة سماع رأي الطرف والطرف الآخر". كان عتابه كبيرًا خاصةً بعد أن حُسمت الجدلية القائلة: "هل سيأتي اليوم الذي ينتزع الإعلام الاجتماعي البساط من الإعلام التقليدي ويكون مؤثرًا في صنع القرار؟" وأضاف بنبرة عتاب قوية: "لقد اكتفى رجالات الإعلام التقليدي بأن يشاهدوا ما تبثهُ وسائل الإعلام الجديد ورضوا بأن يكونوا حراس البوابة، وعندما أقول حراس البوابة أقصد بأنهم ينشرون البيانات التوضيحية التي ترد على الشائعات والأخبار المغلوطة".  

برأي الصديق أنَّ الجدلية قد حُسمت وسيطر "الفضائيون" على الساحة، ولكن بنظري لا أتفق جملةً وتفصيلا لأن الميدان للمبدع أكثر والمواكب للمتغيرات. كما أنه يجب أن نحصل على إجابة على ذلك من خلال دراسة علمية ومن خلال نتائجها نستطيع أن نقرر من الذي حسم النتيجة، وهل فعلاً الإعلام الجديد الذي جعل الصحف تأخذ منحنى الهدوء أم الأزمة المالية التي أثرت على السلطنة خلال الربع الأخير من عام 2014.   

ما نعرفه عن الإعلام التقليدي أنَّه ساهم وبشكل كبير خلال الخمسة عقود الماضية في زرع فسائل المواطنة بين الجمهور، وبالرغم من أنَّه كان إعلامًا تنمويًا إلا أنه استطاع أن يلعب دور الوسيط بين التوجه الحكومي وتطلعات الناس، تميز حتى اليوم بمصداقيته وموثوقية أخباره، صحيح أن التطلعات كانت أكبر من ذلك من قبل المتابعين، إلا أنَّ لهُ إقبالاً منقطع النظير بين الناس، إلى أن أتى الإعلام الجديد، فتحول المُتابِع إلى مُتابَع، حضور قوي يسجله الإعلام الجديد مما حدا بنا أن نشهد تراجعاً كبيراً لوسائل الإعلام الورقية، بينما بقيت المرئية والمسموعة تصارع وتُواكب طيف المُتغيرات، ولكن المؤسسات الصحفية هي من تأثرت أكثر؛ فخلال السنوات الأخيرة لم نشهد تدشين صحف ورقية جديدة؛ بل على العكس من ذلك أصبحنا نسمع عن التوجه لإغلاق الصحف الورقية، بينما الصحف الأخرى تعمل جاهدة من أجل البقاء.

ولكن السؤال الأعم، كيف تتعامل الحكومات مع الإعلام الجديد؟ وهنا نقول إنِّه يجب أن تكون القرارات خالية من الثغرات ليتم التراجع فيها بناءً على ضغوط المنصات الإلكترونية، فما رأيناه من تجميد خاصية الرجوع إلى مجلس الشورى في أخذ رأيهم قبل اتخاذ بعض القرارات، مما حدا ببعض- وهم عدد بسيط من أعضاء المجلس- لإثارة الرأي العام لتبرئة أنفسهم أمام منتخبيهم كما نعتقد، ونجحوا في حشد عدد كبير من الآراء ضد تلك القرارات. هُنا نستطيع أن نجيب بكلمة "نعم" على سؤال: هل تمكن مشاهير التواصل الاجتماعي من كسب عقول الناس والتأثير في القرارات المطروحة؟

بمجرد ما يظهر على السطح هاشتاج (وسم)، إلا ونرى وجوهًا جديدة تظهر لنا تقدم ردودًا مميزة، محتوى مفيدًا، والبعض الآخر يبحث عن الشهرة من خلال الردود السلبية، فعلى سبيل المثال، رأينا وما زلنا نرى وجوها جديدة لأطباء خلال فترة الجائحة، قدموا محتوى مُفيدًا ومُميزًا، عجزت وسائل الإعلام عن تقديمه بالتفصيل المطلوب، حتى المؤسسات المختصة لم تستطع أن تقدم ذلك المحتوى المفصل.

في الختام نطرح السؤال التالي: هل سنرى تطبيقات قادمة تستطيع أن تقود قاطرة الإعلام الجديد، وتجعله يتجاوز الإعلام التقليدي من أوسع أبوابه؟ شخصياً لا أعتقد ذلك، خاصةً بعد أن رأينا في الأعوام الأخيرة بعض مؤسسات الإعلام قد كشرت عن أنيابها، واستطاعت أن تواكب هذا التغير من خلال إنشاء إذاعات خاصة، أو صحف إلكترونية جديدة متوقع منها خلال المرحلة القادمة الاستمرار في تقديم وتطوير محتويات مميزة ذات مصداقية لكسب عقول وثقة الناس.

تعليق عبر الفيس بوك