"شاهين" والعُمانيون

 

د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

قُدّر لعُمان أن تكون حائطًا للصد المباشر عن الجزيرة العربية من جهة الشرق. ورغم الموقع الجغرافي والاستراتيجي المميز للسلطنة بإطلالتها على بحار طويلة قبالة المحيط الهنديّ؛ إلا أنّ عليها أن تتحمل هدير أمواجه العاتية متى ما اشتدت، وأن تتعامل مع أهواله ونتائجها بخيرها وشرها.

ومنذ تتابع الأخبار بشأن وصول حالة مدارية تشكّلت في خليج البنغال وتحركها نحو السواحل العُمانية؛ بدأت عُمان في أهبة الاستعداد لاستقبال هذا الضيف الثقيل الذي اعتاد زيارتها خلال فترات متقاربة خاصة منذ عام 2007 الذي لن ينساه العُمانيون إطلاقًا. وبعد أن اتضحت الرؤية بأن الحالة تحولت إلى إعصار شخصيًا أدركت حجم الدمار الذي سيحدث وما إعصار جونو عنَّا ببعيد؛ فكل من عاصر أحداثه ونتائجه من سكان مسقط يُدرك جيدًا معنى كلمة إعصار. وسكان الباطنة ممن تضرروا جراء إعصار شاهين ربما لم تكن لهم الصورة واضحة حول نتائج الأعاصير كونهم لم يمروا بأحداث مشابهة.

قدّر الله وما شاء فعل، ووصل إعصار شاهين بجبروته وعنفوانه، وكان قاسيًا على الباطنة وأهلها خاصة السويق والخابورة وبعض الأجزاء من المصنعة وصحم، وكانت نتائجه كارثية على البشر والشجر والحجر، والحمد لله على كل حال. ومن غير سكان المناطق المتضررة، ومن لم يزرها لا يُدرك حجم الكارثة مهما نقلت وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي الصورة المأساوية لتلك المناطق، وليس من سمع كمن رأى بكل تأكيد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية (216) "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، وفي سورة النساء الآية (19) "فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" صدق الله العظيم. وكما قيل يُولد الخير من بطن الشر، ورُب ضارة نافعة فعسى أن نتعلم الدرس جيدًا ونعي أخطاءنا ولا نكررها، ونتمنى أن نستفيد من هكذا تجارب وإن كانت قاسية وأليمة من كافة النواحي التخطيطية والعمرانية وغيرها لمُستقبل عُمان وأجيالها المتعاقبة، وبناء قاعدة صلبة بأسس علمية مدعمة بالخبرات الدولية يُمكن الاتكاء عليها حتى تكون عُمان مستعدة لمثل هذه الأحداث، وتقليل الخسائر العامة والخاصة إلى أقل درجة مُمكنة. 

كما إنَه من الأهمية بمكان تعزيز الجوانب الإيجابية التي أفرزتها الأزمة؛ واستثمار روح التعاون بين كل القطاعات المدنية والعسكرية والأهلية بما يخدم الخطط المُستقبلية، وقد يكون من المُناسب الاستفادة من الحراك المجتمعي بكافة أطيافه الذي شهده القاصي والداني بُعيد الإعصار؛ وذلك بتأسيس قاعدة بيانات لمن يرغب في العمل التطوعي على اختلاف مجالاته؛ للاستفادة منها في أية أعمال تُعنى بهذا الخصوص مستقبلًا.

وفي الختام.. وبعد الرضا بقضاء الله وقدره نسأله جلت قدرته أن يرحم المتوفين ويسكنهم الجنان، وأن يُلهم أهلهم الصبر والسلوان، وأن يعوض الأحياء خيرًا مما فقدوه من أملاكهم. وبإذن الله؛ ستتجاوز عُمان هذه الأزمة كما تجاوزت غيرها من أزمات، وستعود أجمل وأبهى، وعُمان عظيمة بشعبها.