الخطاب السامي

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

 

في بلادنا الغالية عُمان للخطابات السامية وقعها وتأثيرها، فهي دومًا منطلقٌ لمرحلة من مراحل البناء، ومرتكز من مرتكزات المسيرة والنهضة، لها مواعيدها المعلومة، والتي ينتظرها أبناء هذا الوطن بكل لهفة وشوق، وتمثل لهم أهمية قصوى في رسم الملاحم العُمانية، والإنجازات الوطنية، وهي كذلك حاضرة عند كل حدث جلل عظيم تتعرض له البلاد.

وخطاب مولانا جلالة السلطان المُعظم بعد الحالة المدارية الشديدة التي مرَّت بها البلاد؛ جاء في وقته من حيث أهمية الحدث، وصعوبته، وشدته، وحاجة أبناء الوطن الذين أصابهم هول ما مرَّ بعُمان إلى طمأنينة، فكان خطاب مولانا بمثابة البلسم والراحة لهم في عبارات واضحة بليغة موجزة محددة المعالم والأهداف لا مجال لتأويلها ولا مناص من العمل بها وتنفيذها. بدأ مولانا السلطان خطابه بالحمد والثناء وهذا أمر المُؤمن بالله تبارك وتعالى، الشاكر لنعمائه، الصابر على بلائه، المستمسك بمتين حبله، المؤمن بحسن الظن بربه جلَّ وعلا وقضائه، مشيدا أيده الله تعالى بنعمتي الأمن والاستقرار وهما نعمتان عظيمتان تهون عندهما الخطوب والحوادث، وهما أساس كل بناء وتطور وسبيل كل منجز وعمل.

"وأن جعلنا أمة متلاحمة".. هذا التلاحم والتآزر هو سبيل الأمم للبقاء في وجه الصعاب والتصدي لكل العقبات، وكأنه أراد أن يقول: لا خوف على عُمان؛ وأبناؤها جسد واحد وروح واحدة وإرادة واحدة وعزيمة واحدة وعطاء واحد متسلحة بروح "الصبر والبذل والإخلاص"؛ وهذه ثلاثية عظيمة إذا اجتمعت في أمة فـ"لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

"حرصنا منذ الوهلة الأولى"، والحرص نابع من شدة المحبة، ومكانة الإنسان، فمولانا حفظه الله تعالى ورعاه محب مخلص لهذا الوطن، حريص على أبنائه، مُتابع لكل أحوالهم وشؤونهم متابعة مستمرة في كل وقت رخاء كان أو شدة، وعنده الناس على هذه الأرض الطيبة من حيث الرعاية والاهتمام خاصة في الجوانب الإنسانية سواء بسواء فلا فرق بين مواطن ومُقيم فجميعها أنفس تستحق الحفظ والسلامة.

"كشفت لنا الأيام الماضية عن ملحمة وطنية سطرها أبناء عُمان الأوفياء".. والوفاء سبيل كل خلق كريم، ولا غرو أن يكون الوفاء من شيم أبناء عُمان فهم من خير بيوت العرب نسباً، وأشرفها محتدا، قوم أهل نجدة ونصرة، يغيثون الملهوف، ويعينون المُحتاج، ويصبرون على نوائب الدهر، لا تزعزعهم الخطوب والحوادث، ولا تفت من عضدهم النكبات والتقلبات، منذ الأزل وهم على ذلك ثابتون باقون، وليس بمستغرب على قوم صنائعهم المعروف، وركائبهم الخير، وعزائمهم الصبر، ودافعهم محبة الوطن والجار، أن يفزعوا لأهلهم في مُحافظتي جنوب وشمال الباطنة فزعة لا ريب فيها ولا رياء، فزعة الحر الكريم، والأخ الرحيم، فزعة تطيب لها الأنفس، وتشرئب لها الأعناق، وقد رأيت في مشهد يوم الجمعة ما يثلج الصدر، ويفرح الحبيب، ويدعو للفخر والمُفاخرة، رأيت عجبا وبذلا بأرواح واثقة، وأنفس وادعة، وأيدٍ كساها الطين تبرًا وعسجدًا.

"عودة الحياة أولوية أولى"، فأبشروا واسعدوا، فأنتم أهل البيوت المتضررة، لستم أولوية فحسب؛ بل أولوية أولى لا يتقدمها أمر آخر، وعند من؟ عند مولانا السلطان، الذي سبقت أفعاله أقواله، ونرى هذا التوجيه الأبوي الكريم حقيقة ماثلة منذ تشكل الحالة المدارية، ومن ثم بعدها، فالتعليمات والتوجيهات والأوامر المتتالية والمطلوب تنفيذها الفوري، كل ذلك يدعونا للفرح والسعادة فأبناء عُمان بين أيادٍ كريمة، وعند سلطان عظيم محب لهذا الوطن، وحريص على أهله والمقيمين فيه، وهم عنده في مكانة رفيعة ومقام كريم.

"على كافة الجهات الحكومية" أمر لا مجال فيه لاجتهاد أحد، وواجب لا مجال فيه لمراجعة أحد؛ إذ إن "العمل كمنظومة واحدة" سبيل لسرعة الإنجاز بقدر عالٍ من الدقة والجودة، وفي وقت قياسي، كما إن العمل الموحد دلالة على قدرة مؤسسات الدولة على تكامل أدوارها، وإنجاز مهامها. وهنا فإنَّ جلالته- حفظه الله ورعاه- لم يترك مجالًا لأي جهة لتعمل بمفردها أو تتكاسل في التعاون مع غيرها، وكلّف مجلس وزرائه لمتابعة ذلك، وهو المعّول عليه في الأمور الكبار والمواقف العظام. "صندوق وطني للحالات الطارئة" فرضته الظروف، واقتضته الأنواء المناخية المتكررة التي تمر بالبلاد، ولابد من حسن التنظيم والاستعداد بما يحفظ الاستقرار ويضمن استمرار مشاريع التنمية، واستدامة البنية التحتية للبلاد، وهذا دلالة على فكر جلالته وبعد نظره، والعمل للمستقبل، والاستفادة من هذه الدروس، والاستعداد لمثل هذه الحوادث، وهنا لابد أن يقوم كل بدوره للمساهمة في هذا الصندوق ذلك أن الهدف عُمان، والمشاركة من الجميع فيه أمر بالغ الأهمية، خاصة الشركات العملاقة وذات الأصول المليونية.

"نشكر أشقاءنا وأصدقاءنا" وهذه من شيم الكرام، فكل شقيق وصديق قام بالاطمئنان على عُمان، معبرا عن صادق المشاعر، وجميل الموقف، له من عُمان سلطانا وشعبا، كل ثناء ومحبة وشكر وتقدير، وتبقى عُمان شامخة أبية، بحكمة سلطانها، وعطاء أبنائها، وتعاون وتعاضد وتكاتف مؤسساتها.

ثم ختم جلالته- أعزه الله تعالى- خطابه السامي الكريم بالإشادة بجهود جميع الجهات والمؤسسات خاصا بذلك الشكر والإشادة القوات المسلحة وشرطة عُمان السلطانية وجميع الأجهزة العسكرية والمدنية، واللجان المختلفة، والقطاعات المختصة، والمؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص، والجمعيات المدنية والأهلية وأبناء عُمان قاطبة، وكل صاحب جهد وبذل، مشيداً جلالته بدورهم وسرعة استجابتهم الفورية، مؤكدا على مواطنتهم الحقة، وعند الشدائد والمحن تظهر المعادن، وتستبين سبيل المواطن العُماني الحقيق بالمواطنة، والذي يترجم ذلك قولا وعملا.

حفظ الله عُمان أبية عزيزة كريمة مصونة من كل الحوادث والأنواء، وأدام الله تعالى مولانا السلطان المعظم سلطانا كريما حريصا محبا نفخر بجلالته ونباهي الزمان بمحبته ونمضي خلفه صفا واحدا يشد بعضه بعضا، ودمتم يا أبناء عُمان فأنتم أوفياء من كرام العرب، دمتم لحمة واحدة لا تتغيرون ولا تنفصمون، وكم يفتخر الواحد منِّا أنه عُماني.