"شاهين" والمسؤولية المجتمعية

 

سيف بن ناصر السعدي **

 

التضامن الاجتماعي سلوك حضاري يمتاز به الشعب العُماني ويتجلى بشكل بارز في أوقات الكوارث والأزمات، ويمكن تفكيك مفهوم التضامن وفق مفاهيم علم الاجتماع إلى نوعين من التَّضامن.

ففي دراسته للمُجتمعات البشرية بعد الثورة الصناعية الكبرى، خرج عالم الاجتماع الشهير إيميل دوركايم بمفهومي التضامن الآلي والتضامن العضوي للمجتمع في إشارة إلى تطور التضامن المجتمعي من أشكاله التقليدية إلى أشكاله الحديثة في المجتمعات المعاصرة. فهو يرى أن التضامن انتقل من الشكل العلائقي البسيط إلى الشكل المؤسسي التكاملي في هذه المجتمعات.

ما يُميز المجتمع العماني هو احتفاظه بالأصالة والتجديد في آن معا. يمتلك المجتمع العماني كلا من سمات التضامن الآلي الشعبي والتضامن العضوي الحديث وفق مفهوم علم الاجتماع. إن العنصر الأساسي في قوة التضامن الاجتماعي الآلي بين أفراد المجتمع العماني ينبع أساساً من قوة القيم ومبادئ الدين وشيوع العادات الحميدة وأصالة التعامل ورقي الأخلاق وهذه سمات في المجتمع العماني لا تحتاج إلى دليل أوضح من التصاقها بهوية العماني في عيون العالم. علمياً قد يصنف هذا النوع من التضامن ضمن إطار العمل التطوعي الأهلي والشعبي وهو ذلك النوع من الأعمال التطوعية التي كان العماني ولا يزال يُمارسها في المناسبات الاجتماعية وأوقات الكوارث والأزمات والأعمال الموسمية وغيرها، وهو عمل تطوعي بلا شك غير أن أهل عُمان يعتبرونه واجباً ومسؤولية تحتّمها الأعراف والدين والقرابة والتقليد والعادة والثقافة بمعناها الأوسع.

أما التضامن العضوي، فهو مفهوم يشير إلى تولي مؤسسات الدولة كافةً، الجهد الاجتماعي الذي يُحقق الرعاية والحماية الاجتماعية لأفراد المجتمع بما فيها الأعمال التطوعية بشكلها المؤسسي المنظّم. ولا ينحصر ذلك في المؤسسات الحكومية فقط بل يشمل المؤسسات في قطاع المجتمع المدني والقطاع الخاص. وقد ظهرت العديد من المفاهيم التي توصّف الشراكة بين هذه الأنواع من المؤسسات في دعم التكافل والرعاية الاجتماعية وفي التنمية الاجتماعية بشكل عام وخصوصا ما يقدمه القطاع الخاص لدعم المجتمع. ومن أبرز هذه المفاهيم مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات.

وبغضّ النظر عن المفهوم الأنسب لمبدأ الشراكة المجتمعية في خدمة وتنمية المجتمع، فإنَّ الشركات اليوم مطالبة ببذل المزيد من المساهمة والعمل مع المؤسسات الحكومية والأهلية في الأعمال الخيرية والتطوعية والاجتماعية خصوصاً في أوقات الأزمات والكوارث ودعم المشروعات الوطنية الكبرى. فكلما زاد وعي الشركات واستعدادها للعمل الاجتماعي وتنمية المجتمع والتدخل الفاعل عند الأزمات كلما أسس ذلك لتضامن أكبر بين مؤسسات الدولة المختلفة في تنمية المجتمع وتعزيز التماسك الاجتماعي مما يرفع من القيم الوطنية لبعض المؤشرات الدولية مثل التلاحم الاجتماعي ومؤشر التقدم الاجتماعي.

وتعد أعمال الإغاثة العينية والنقدية وإعادة الإعمار ضمن أبرز برامج المسؤولية الاجتماعية التي تعمل عليها الشركات على مستوى العالم. فالكثير من الشركات في ممارستها لمسؤولياتها الاجتماعية تخصص بنوداً ضمن خططها السنوية والاستراتيجية لإعادة الإعمار وأعمال الإغاثة في أوقات الكوارث الطبيعية ضمن الجانب الخيري والتنموي من برنامج المسؤولية الاجتماعية الخاص بها. مثل هذه البرامج لا تقتصر فقط على الدعم المالي ولكن تشمل أيضاً الدعم النوعي بكافة أشكاله مثل التزويد بالخبرات والفنيين والمعدات والأجهزة التي تعين على تسهيل إعادة الحياة إلى طبيعتها وكذلك إعادة إعمار المناطق المنكوبة.

لقد أصبح التغير في المناخ العالمي لاعبًا أساسيًا في توجيه سياسات الشراكة الاجتماعية بين قطاعات المُجتمع المختلفة؛ ذلك لأنَّ العديد من مناطق العالم الحيوية اليوم أصبحت تواجه تغيرًا مناخيًا بأشكال مختلفة، من بينها زيادة وتيرة الأعاصير والمنخفضات الجوية مما يرفع أهمية التآزر المؤسسي لتقليل الخسائر المتوقعة لتأثيراتها. لذا فإنَّ الممارسات العالمية في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات تركّز وبشكل كبير على مسؤولية الشركات في الجانب البيئي وتغير المناخ وكيف يمكن للشركات أن تساعد الجهود الوطنية في التغلب على المشاكل المرتبطة بهذا الجانب من خلال المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمناخ والبيئة مثل الهدف الثالث عشر المتعلق بالعمل المناخي وغيره من الأهداف.

العديد من شركات القطاع الخاص في عُمان تدرك ذلك وتمتلك المبادرات لتنفيذه على أرض الواقع وقد رأينا العديد من المبادرات التي تدل على أن الشركات في عُمان تستجيب بشكل جيد لتوقعات المجتمع لكن الملاحظ أن هذا الوعي محصور في شركات معدودة على الرغم من وجود المئات من الشركات الكبرى في السلطنة القادرة على تقديم مبادرات مسؤولية اجتماعية فاعلة خصوصاً في أوقات الكوارث.

إن المجتمع العماني اليوم يتوقع المزيد من التزام الشركات على اختلاف مستوياتها بمسؤولياتها تجاهه وهو ما ينبغي للشركات أن تعمل عليه انطلاقاً من مبدأ ما يسمى بالمواطنة الصالحة للشركات. إن التضامن والتآزر الاجتماعي القوي الذي برز خلال الجائحة هو مدعاة للاعتزاز بهذا الوطن وهو أيضاً فرصة للعمل سوياً من قبل مختلف المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة لتعميق الشراكة والمسؤولية المجتمعية ورفع الوعي بأهميتها.

** كاتب وباحث في علم الاجتماع

تعليق عبر الفيس بوك