علي الرئيسي
باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
بدأت شبكة نيتفلكس عرض مسلسها الوثائقي الجديد "نقطة تحول 11/ 9.. والحرب على الإرهاب"، في الوقت الذي سحبت فيه الولايات المتحدة بقية قواتها من أفغانستان بعد 20 عاماً من احتلال هذا البلد.
المسلسل يوضح بشكل لا لبس فيه أن حالة الفوضى التي تم مشاهدتها على شاشات التلفاز لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في شهر أغسطس الماضي، في الحقيقة تعكس حالة المُغامرة الأمريكية منذ وصول القوات الأمريكية إلى أفغانستان في عام 2001. الرئيس الأسبق باراك أوباما حاول ذات مرة أن ينقل الانتباه بعيدًا عن الفشل الذريع للمغامرة الأمريكية في العراق إلى ما كان يدعيه بـ"الحرب الجيدة" في أفغانستان، زاعمًا "أنهم فقدوا التركيز على الكرة"، وأن نيته إنهاء المهمة. ولكن كما هو واضح من المسلسل لا أحد يعرف ما هي الكرة التي يجب التركيز عليها؟ أو ما هي المهمة التي اضطلعت بها أمريكا لنفسها في أفغانستان؟
عدا عن الجنرالات الذين يدعون النجاح في المؤتمرات الصحافية، والذي يعترفون بشكل خاص بأن ليس لديهم إستراتيجية محددة، فإنَّ المسلسل يتضمن مقابلات مع جنود أمريكيين يعانون من أعراض وأمراض نفسية، محاولين التعايش مع ما قاموا به من مجازر وتعذيب وقهر للآخرين في بلد بعيد عنهم، ولأناس لا يعرفونهم ولا يدركون الهدف من فعل ذلك.
أحد الجنود والذي قتل أفغانيًا لأوَّل مرة، يذكر متسائلًا، ما الذي أتى به إلى هناك؟ ومن هو هذا الشخص؟ وهل هو فعلاً من "طالبان"؟ أم هو أيضًا أُجبر على القتال؟ ماذا لو أن أحدهم غزا بلدي؟ هل سأقاتلهم؟
في هذه الحرب وفي الحروب الأخرى الذين يقومون بالأعمال القذرة لصالح الإمبراطورية هم من يسألون الأسئلة الصحيحة!
بالنسبة للساسة والصحفيين في الولايات المتحدة، فكما يوضح المسلسل أنهم ببساطة يعيدون ويكررون نفس "الكلشيهات"، والأكاذيب لجمهور غير مهتم، والذي كان مشحونًا للانتقام لضحايا "أحداث 11 سبتمبر". هذا الجمهور الذي فقد اهتمامه بالحرب وما ينفذ باسمه، إلا أنَّ المسلسل لا يخلو من بعض الأصوات المنتقدة للسياسات الأمريكية؛ سواء كانوا مسؤولين حكوميين، أو أشخاص من خارج الحكومة. هؤلاء كانوا يعارضون هذه السياسات، ويعتقدون أنها انتهاك صارخ للمبادئ التي تدعي أمريكا تمثلها. أحد الجنود الذين تم مقابلتهم في المسلسل يذكر أنَّ الحرية الأمريكية هي "حرية الادعاء"، نحن نشعر بحقنا في التخيل، ويضيف "وعندما تذهب إلى أفغانستان، فكأن الستارة قد رفعت أو الغشاوة قد تبددت".
المسلسل الوثائقي ينجح تمامًا في فضح إدعاءات وأكاذيب الساسة الأمريكان، وذلك بنقل صور مناقضة لادعاءاتهم، ونقل صور عن سجن أبو غريب عندما يتكلم ألبرتو جونزاليس المستشار في البيت الأبيض عن "التعذيب المعزز والرحيم حسب قوله"، أو تصريحات جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد عن أسلحة الدمار الشامل أو مفارقة أوباما بأن المُسيَّرات تحمي حياة الناس. أنت لديك خيار تصدق هؤلاء المسؤولين أم تصدق نتائج أعمالهم على أرض الواقع التي ينقلها المسلسل مرافقة لتلك التصريحات.
ما يؤخذ على المسلسل أنه لا يتعاطى مع فكرة أن غضب العرب من السياسة الخارجية الأمريكية، لم يبدأ منذ عام 1991، وإنما بدأ قبل ذلك بعقود، ويعود أساسًا إلى وقوف أمريكا في صف إسرائيل، ودفاعها المُستميت عن المصالح الاسرائيلية ضد الحقوق العربية، ودفاعها عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية. لذلك يفتقد المسلسل إلى هذه السردية. ومن كل اللغات التي تسمعها في المسلسل بما فيها الفارسية، والبشتون، الغريب أنَّ اللغة العربية مفقودة، ومن كل المقابلات التي احتواها المسلسل من أشخاص عاديين إلى ساسة، وأمراء حرب، لا توجد مُقابلة مع عرب سوى شخصيتين، أحدهما لبناني يعمل مُحققًا في المباحث الفيدرالية الأمريكية "إف.بي.آي"، ويعمل على انتزاع اعترافات من العرب في سجن "جوانتانامو". وآخر إمام صوفي من الكويت، جُل اهتمامه هو نشر الإسلام كدين للسلام؛ لذلك يفتقد المسلسل لوجهة نظر عربية وازنة.
إنَّ المأساة الإنسانية التي وقعت في نيويورك وسقوط ضحايا، يمكن أيضًا تعميمها بشموليتها للمآسي الأخرى التي ذهب ضحيتها- نتيجة للحروب الأمريكية- آلاف المدنيين من العراقيين واليمنيين والأفغان. فما الفارق بين هذا الإرهاب وذلك الذي تقوم به الحكومة الأمريكية؟
بروس هوفمان المدعي أنه خبير في الإرهاب والذي يظهر في المسلسل بصورة دائمة يمنحنا تعريفًا حول "الإرهاب" ويقول "هو العنف أو التهديد بالعنف الذي يهدف إلى تحقيق تغيير سياسي مهم". كل الإرهابيين يستمرون في القول إنهم يعتقدون بأنهم محاربون أو مدافعون ضد معتدٍ؛ لذلك ليس لديهم خيار سوى اللجوء إلى العنف.
علينا التفكُّر فيما قاله هذا الخبير وقراءة السياسة الخارجية الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر، والخسائر التي سببتها هذه السياسة في قتل أكثر من مليون إنسان، وتشريد أكثر من 36 مليون شخص، وإغراق عدد من البلدان في الفوضى، ويمكننا التمعُّن فيما حصل واستنتاج إجابة واضحة.