إنهم يقتلون الورود..!

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

لماذا نحن فقط من يمُوت؟ لماذا لا يمُوت غيرنا؟ هل لدى أحدكم إجابة؟ بالطبع ستتعدَّد الإجابات وتتضخم، بل وتنفجر بتحليلات لا حصر لها.

موت مُزَارع مسلم في إقليم آسام الهندي لا يُشكِّل عبئًا على كاهل أحد؛ فهو مثله كمثل الملايين الذين هُجِّروا قَصراً أو فِرارًا من جَوْر مَركب خشبي، طمعًا بعَيْش آمن، وإن لم تكن السماء رحيمة سينقلب قاربهم وتُلقى جثثهم على شواطئ الحرية الثَّكلى، وستبكيهم أعين العالم الوقحة، داعية إلى المؤاخاة والسلام.

ولكن.. لماذا نحن فقط من يَمُوت؟ عفواً أقصد: لماذا يتم اغتيال العلماء العرب والمسلمين؟ ومن ثمَّ يتم اتهامهم بالتخلُّف. لم تنقطع عمليات اغتيالات العلماء والأكاديميين العرب طوال العقود الماضية، بل إنَّ إسرائيل رصدت لتلك العمليات أجهزة ومعدات وأموالًا ضخمة، ولعلها هي أول من استحدثَ جهازًا أو مجموعة خاصة عُرِفت بالمجموعة "إكس"، وألحقت بها وحدة مختصة بالاغتيالات لتكون بذلك أول من أضفى على الاغتيالات الطابع المؤسسي.

الاغتيالات الإسرائيلية للعلماء العرب والمسلمين مفهُومة؛ كونها كائنًا هجينًا فُرِض على المنطقة، وتستشف ذلك من مقولة موشى دايان: "إذا امتلك العرب أية كمية من الذرة، فإنَّ جنونهم لن يردعهم عن المغامرة"، ولكن ما هو السر في اندفاع واستماتة الدول الغربية لاتباع نهج الاغتيالات وحصرها في فئة العلماء والأكاديميين، بل وتحد الدائرة بإطار الدين وليس فقط المذهب أو العرقية او أي رابطة أخرى، لعلَّ ذات المقولة التي قالها موشى دايان تنطبق على كل المسلمين الذين لن يردعهم امتلاك العلم عن المغامرة.

حين اجتاحت الولايات المتحدة الامريكية العراق تحت ذريعة أسلحة الدمار الشاملة، كان أحد الأسباب الحقيقية هو اعتقال أو اغتيال العالمة رحاب طه، التي تُعرف باسم "الحاسوب البشري"؛ لأنها كرَّست حياتها لبحوث البيولوجيا والجراثيم، وكذلك العالمة هدى عماش التي تُعرف بـ"السيدة جمرة الخبيثة"، وهي حاصلة على دكتوراة في علم الأحياء الدقيقة.

وما سلسلة الاغتيالات الحديثة من العالم فخري زاده، وعلماء العراق وسوريا...وغيرهم، الا امتداد لاغتيالات سابقة حَدَثت في القرن الماضي، وأشهرها كان اغتيال الدكتور المصري إسماعيل أحمد.

والدكتور إسماعيل أحمد أدهم، حاز في العام 1931 -وهو في العشرين من عمره- درجة الدكتوراه في الفيزياء الذرية، وفي العام 1940 جمع كبار علماء الذرة في العالم لبدء مشروع "منهاتن" الأمريكي لصُنع القنبلة النووية، وفي نفس العام كانت طائرات هتلر تغزو بريطانيا، وقوات رومل تكتسح شمال إفريقيا، وتدق أبواب الإسكندرية التي هَجَرَها أهلُها، وانتقل إليها بالمقابل الدكتور الشاب إسماعيل أدهم ليستقبل -كما قيل- الجنرال رومل حال وصوله، وينتقل من هناك إلى برلين التي كان على تواصل معها للمشاركة في المشروع النووي النازي.

وفي العدد 366 من مجلة "الرسالة" المصرية الشهيرة، والصادر في 8 يوليو 1940م، انتقل د. أدهم من الكتابة الأدبية المعتادة إلى مقال احتلَّ 4 صفحات، مقال مليء بالمعادلات الفيزيائية المعقدة والمعلومات العلمية، أسماه "الذرة وبناؤها الكهربائي"، وقد كتبه الدكتور -لسوء حظه رُبما- بالإنجليزية: (THE ELECTRICAL STRACTURE OF THE ATOM)، وذكر ضمنه أنَّ ما وصل إليه العالم الألماني "هينزنبرج" قد أثبته هو في معامل البحث العلمي في موسكو قبله بسنوات، وأنَّ ما أعلنه البروفيسور الروسي "سكوبلزن" عام 1938م ينسجم مع مبادئ الفيزياء الحديثة التي أثبتها الدكتور أدهم في العام 1933م.

لم تمضِ على ذاك المقال "القاتل" إلا أيام قليلة حتى أعلن عن وفاة د. إسماعيل أحمد أدهم غرقا على ساحل "جليم" بالإسكندرية، وهو لم يبلغ 29 عاما، وقيل إنَّه وجدت في جيبه رسالة يُعلن فيها انتحاره ويطلب حرقَ جثته وتشريح مُخِّه. والغريب أنَّ الرسالة لم يبللها ماء البحر وهي في جيب معطفه. وأعلن شقيقة بعد فترة عن اختفاء جميع أوراق وكتب وأبحاث الدكتور إسماعيل، ومنها 3 كتب في الفيزياء والذرة قد اختفت في ظروف غامضة.

وإلا.. هل لي أن اسأل لماذا نحن فقط يمُوت؟ المُزَارِع البسيط منا والعالم الفذ؟

الأكثر قراءة