هل الاقتصاد العالمي في طريقه إلى كساد تضخمي؟

علي الرئيسي

باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

يعتقد عدد من الاقتصاديين أن الاقتصاد العالمي قد يكون على موعد مع كساد تضخمي، خاصة وأن القاطرتين المهمتان اللتان يعتمد عليهما الاقتصاد العالمي في النمو- وهما الصين والولايات المتحدة- بدأ اقتصادهما في التراجع خلال الفترة الأخيرة، إلى جانب أن الازدياد المضطرد في الأسعار يفرض على مسؤولي البنوك المركزية ضغوطًا لاتباع سياسة نقدية تقييدية.. فهل ستنجح هذه البنوك المركزية في كبح جماح التضخم دون القضاء على التعافي الاقتصادي؟

تحاول هذه المقالة استشراف آراء الخبراء الاقتصاديين في السيناريوهات المحتملة للاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة في ضوء التخوف من أن يعم الكساد التضخمي العالم.

يربطُ بعض المُراقبين الخروج المذل للولايات المتحدة من أفغانستان بذلك الذي حدث في سبعينات القرن الماضي إثر اندحارها وهزيمتها في فيتنام. وما حدث بعد ذلك من كساد وتضخم في الولايات المُتحدة. ويقول كينيث روغوف المحاضر في جامعة هارفارد والمدير السابق للبحوث في صندوق النقد الدولي "إن حالة التضخم التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي حاليًا كنت أزعم قبل فترة أنها لا تشبه ما حدث خلال بداية السبعينات، إلا أنني حاليا غير متيقن من ذلك، وخاصة لو نظرنا إلى المستقبل القريب". فهل سيشهد الاقتصاد العالمي ارتفاعًا في التضخم مع كساد اقتصادي؟ أم أننا في مرحلة انتقالية وأن السبب في ارتفاع الأسعار هي الاختناقات المؤقتة في سلاسل التوريد والتوزيع على المستوى العالمي؟

يشهد الاقتصاد العالمي بصورة عامة تباطؤًا في الإنتاجية، والاقتصاد العالمي ما زال في مرحلة انتظار، حتى يستفيد بشكل كامل من ظاهرة الجيل الثاني من التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي. العديد من الدراسات تشير إلى تباطؤ في الإنتاجية في القرن الحادي والعشرين وأن الجائحة قد أثرت على الإنتاجية تأثيرا بالغا.

يشهد الاقتصاد العالمي صدمة كبيرة في جانب العرض، شبيهة بتلك التي شهدها في بداية السبعينات من القرن المنصرم وذلك إثر ارتفاع أسعار النفط. حالياً نظراً للسياسات الحمائية والتراجع الحاصل في سلاسل التوريد العالمية والتي يترتب عليها نتائج سلبية على جانب العرض في الاقتصاد. إضافة إلى تزايد نسب الدين العام الحكومي وكذلك الخاص إلى مستويات قياسية مما يهدد بالاستقرار المالي والنقدي. لذلك فإن الصورة الوردية للأسواق المالية قد لا تستمر.

ويزعم نوريل روبياني المحاضر بجامعة نيويورك، أن هناك 4 سيناريوهات محتملة تواجه الاقتصاد العالمي، وهي: هل النمو الاقتصادي سيزداد أم أنه سيتباطأ؟ وهل التضخم سيظل مرتفعا أم أنه سينخفض؟ محللو وول ستريت يتوقعون تعاظم النمو وتسارعه وأن يبٍقى التضخم عند مستوى 2% حسب ما هو مستهدف من قبل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي، وأن الكساد التضخمي الحالي ليس سوى نتاج لانتشار المتحورات من فيروس كورونا،  فبتراجع الفيروس سينعكس ذلك إيجابيًا على سلاسل التوريد، وبالتالي سيتعافى النمو والتضخم سيتراجع.

السيناريو الثاني: إذا استمر نمو الاقتصاد في تسارع، وتم تجاوز الاختناقات في سلاسل التوريد، ولكن مؤشرات التضخم ظلت مرتفعة، وأصبحنا على يقين بأن التضخم ليس نتيجة ظروف استثنائية، وهناك مدخرات لم تُصرف بعد، ومعدلات طلب عالية، ومع استمرار السياسة النقدية والمالية التوسعية، فإن النمو المرتفع سيصحبه معدلات عالية للتضخم أعلى مما هو مستهدف من البنك المركزي، وهنا الأسوق المالية ستتأثر بصورة مباشرة بالخطوات التي سيتخذها البنك المركزي.

السيناريو الثالث: استمرار الكساد التضخمي، مع استمرار معدلات التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي على المدى المتوسط، وفي هذه الحالة سيتم تغذية التضخم عن طريق السياسة النقدية، والائتمان، والسياسة المالية التوسعية؛ حيث سواجه البنك المركزي ذلك بما يُسمى "مصيدة الديون"، مع معدلات الديون المرتفعة من القطاع العام والخاص، وبالتالي على البنك المركزي العمل على استقرار أسعار الفائدة دون إحداث أزمة في أسواق المال.

السيناريو الأخير الذي يطرحه نوريل روبياني؛ هو تباطؤ النمو الاقتصادي، نتيجة لانخفاض دائم في الطلب الكلي، وخاصة إذا تم سحب التحفيز المالي والتسيير الكمي أسرع مما هو متوقع. ونتيجة لانخفاض الطلب الكلي فإنَّ ذلك سيؤدي إلى خفض في معدلات النمو الاقتصادي.

من المتوقع أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيقر في البداية ما يدعى بـ"Tapering" أي خفض حجم السندات التي يشتريها من السوق في برنامج التسهيل الكمي، ومن ثم سيرفع سعر الفائدة تدريجيًا للسيطرة على التضخم. والهدف طبعًا من هذا التدرج هو الحفاظ على النمو الاقتصادي وعدم هز أسواق المال وكذلك  التخفيف من ارتفاع خدمة الدين بالنسبة للقطاع العام والخاص.

محليًا في عُمان، التوقعات تشير إلى أنَّ الارتفاع الحالي في أسعار النفط حالة مؤقتة، وتُعزى أساسا- مرة أخرى- إلى الاختناقات في سلاسل التوريد، وليس نتيجة لتزايد الطلب العالمي؛ لذلك قد يكون من الحكمة أن يكون التوسع في الإنفاق العام- وخاصة الإنفاق الجاري- في الحدود المعقولة.

والقطاع العام والخاص قد يواجهان ارتفاعًا في خدمة الدين، نظرًا لاحتمال ارتفاع أسعار الفائدة تدريجيًا على المدى المتوسط، وتبقى عملية تحفيز الاقتصاد والنمو، ومعالجة جذب الاستثمارات الأجنبية والعمل على خلق وظائف مجدية للمواطنين، تحديات كبيرة تحتاج إلى جهود مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص ومكونات المجتمع المدني.