تعزيز الثروة اللغوية للمترجم

 

صالح بن سالم العلوي

مترجم ومحرر

 

لا تكاد تُذكر كلمة "ثروة" إلا ويتبادر إلى الأذهان القناطير المُقنطرة من الذهب والفضة، والأرصدة العالية في المصارف ومواقع العملات الإلكترونية، إلا أنَّ "الثروة" التي نرمي إليها لا تقدر بثمن مع أنها تقبع بين ثنايا الكتب والمنشورات ومجلدات المعاجم والقواميس، إنها "الثروة اللغوية" التي ينشدها ويسعى لاكتسابها ومضاعفة أرصدته منها كل من يشتغل باللغة تعلماً وتدريساً وكتابة وترجمة وتأليفاً.

"تعد الكلمة العنصر الأساسي في عملية التواصل اللغوي، وهي الوحدة الصغرى للفكرة؛ فالنَّاس يعبرون بالكلمات على نسق ما لتأدية معنى من المعاني، وتشكل الكلمات والتعبيرات التي يعرفها الفرد، ويدرك معناها ثروته اللفظية التي تساعده على استخدام اللغة إنتاجاً واستقبالاً، فهماً وإفهاماً، فالعلاقة طردية بين حجم الثروة اللفظية ونجاح عملية الاتصال اللغوي؛ فكلما زاد حجم الثروة اللفظية لدى الفرد، زادت فرصته في فهم الرسائل التي يتلقاها قراءة واستماعاً، وزادت كفاءته في نقل أفكاره إلى الآخرين تحدثاً وكتابة (الهاشمي، عبدالله: 2015)".

ويذكر أن ثمَّة تشابه بين الكلمة والعملة "إن الكلمات تُسَكّ كما تُسَكّ العملات، وتظل متداولة ما دامت سارية المفعول. فهي- أي الكلمات- عملة التفكير، ونحن نمتلك منها أرصدة سائلة، بقدر ما نمتلك ناصية لغة مُعينة. وعندما نتفاهم مع أحد فإننا نتفق على ثمن يجب دفعه، وعندما لا نكون مخلصين فإننا لا ندفع إلا كلاماً زائفاً. وعندما نصف اللغة والنقود معاً بأنهما رصيدان، فإنما نلفت النظر إلى دوريهما في تحقق الفرد. فهما- اللغة والنقود- قدرة كامنة تجعل تحقق الفردية مُمكناً عن طريق نطاق الفعل عند مَنْ يمتلكونها، ومن ثم تعينهم على التكيّف مع المجتمع" (كولماس، فلوريان، 2000).

والتطوير والتجديد هو سنة الحياة وهذا ينطبق على اللغة أيضاً، حيث يرى الشبراوي في هذا المقام أن" مَنْ لا يتجدد يتبدد، والماء يَفْسَد بالركود ويطيبُ بالجريان، والتاجر الذي يسعى إلى تنويع أصناف تجارته التي يقتات منها يسعد، بينما التاجر الذي يتجمد في مكانه ولا يطوِّر من سلعته تراه كاسف البال، بضاعته مزجاة وحاله يرثى له، واللغة سجل الإنجاز الثقافي للبشرية جمعاء، وهي الهوية وأداة التفكير ووعاء الثقافة ووسيلة التعبير، والكلمة وحدة بناء اللغة مما يوجب العناية بالكلمات والتجديد فيها بشكلٍ يساعد الشخص على التطوّر والنجاح" (الشبراوي، محمد:2017).

وحتى تستقم الترجمة لا بد للمشتغلين بها أن يكونوا ذوي غزارة لغوية تعينهم على أداء عملهم على أكمل وجه. ويتناول هذا المقال تنمية الثروة اللفظية في مجال اللغة العربية.

مصادر الثروة اللغوية العربية

ثمة مصادر رئيسية يستقى منها المترجم رصيده اللغوي ويأوي إليها كلما أضنته الحاجة إلى أسلوب جديد أو عبارات إبداعية تعبر عما يرمي إليه وهي كالتالي:

  1. القرآن الكريم

يتصدر الكتاب العزيز قائمة المصادر، و لا غرو في ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ ] فصلت: 41، 42[ . ولقد احتفى القرآن الكريم باللسان العربي أيما احتفاء، حيث وردت كلمة عربي في القرآن الكريم 11 مرة:

  1. ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ ] الشعراء: 195[.
  2. ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾] النحل: 103 [
  3. ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾] يوسف: 2 [
  4. ﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ ] الرعد: 37 [
  5. ﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ ] طه: 113 [
  6.  ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾] الزمر: 28 [
  7. ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾] فصلت: 3 [
  8. ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾] فصلت: 44 [
  9. ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾] الشورى: 7  [
  10. ﴿ِإنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾] الزخرف: 3[
  11.  ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ﴾ ]الأحقاف: 12 [.
  1. الشعر العربي: الشعر "ديوان العرب وعنوان الأدب"، كما قال أبو فراس الحمداني، فهو مرآة تعكس أفراح المجتمع وأتراحه وفخره ومديحه وصولاته وجولاته وأحزانه وأشواقه.  
  2. كتب الثقافة والأدب: ففيها سال مداد أصحاب القلم وأرباب الفكر؛ عبارات منمقة وأساليب راقية وتشبيهات لا تخطر على بال تأخذ بالألباب تشي بسعة علم محبريها وعمق اطلاعهم. ومن هذه الكتب، مؤلفات شيخ العربية أبي فهر محمود محمد شاكر، ومصطفى المنفلوطي ومحمود محمد الطناحي وحمود بن سالم السيابي وغيرهم.
  3. وسائل الإعلام والتواصل: تجد فيها أحدث الأخبار السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والرياضية من شتى أرجاء المعمورة. ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف قنواتها تنقل الأحداث الآنية بالكلمة والصورة والفيديو من كافة بقاع العالم، وفيها من المرونة ما لا نجده في وسائل التواصل الآخر؛ حيث يمكن التفاعل معها والتعليق عليها ومشاركتها الآخرين بضغطه زر من أي مكان وزمان.
  4. تطوير طرق البحث وتنويع السياقات: أساليب البحث تتطور بتطور الزمن لذا لزاماً على المترجم أن يتواكب معها، كذلك ينوع من السياقات التي يطلع عليها، بحيث تشمل القديم والحديث، والأدبي والعلمي، والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
  5. التدرب على النظر إلى المعاني الثاوية بين السطور: تحمل النصوص معاني تختبئ بين حروفها وتشتم رائحتها بين سطورها، فالعاطفة الجياشة والحنين الجارف وثورات الحزن والغضب لا يمكن التعرف عليها إلى بطول المراس في المطالعة والقراءة.
  6. ممارسة الكتابة: ممارسة الكتابة مهمة لاستخدام الذخيرة اللغوية والأسلوبية وتحويل الأفكار والمعلومات إلى نصّ مكتوب، فمن لا يكتب كمن يملك أموالاً طائلة لا ينتفع منها شيئاً.  
  7. المشاركة في المؤتمرات والفعاليات: لحضور المؤتمرات والندوات والفعاليات الثقافية فوائد جمة قد لا تجدها في الكتب والمنشورات، منها مقابلة العلماء والباحثين والاستفادة منهم مباشرة. وكذلك الاستماع إلى المناقشات التي تطرح والحوارات التي تدور في أروقتها، ناهيك عن الالتقاء بزملاء المهنة.   
  8. جوجل: بضغطه زر تصل إلى قدر هائل من المعلومات التي تبحث عنها بأية صيغة وفي أي مكان وزمان.
  9. القواميس والمعاجم والموسوعات: ليست كل المعلومات والكتب متاحة على الإنترنت، لذا نلجأ إلى هذه المراجع المهمة لننشد ظالتنا في هذا العصر الرقمي ومنها على سبيل المثال الموسوعة العمانية.

ومن هنا نجد أن تقوية الثروة اللغوية وتوسيع المدارك لا يتأتى إلا بتنويع المشارب والينابيع التي نستقي منها العلم والحكمة والثقافة والأدب. فحري بالمترجم أن يوسع دائرة اهتماماته، ويسعى دوماً لصقل مهاراته، فالوسائل متاحة ومتنوعه وما عليه إلا أن يحزم أمره ويتوشح سلاح العزيمة والنية الصادقة وبإذن الله سيُكتب له التوفيق للسير على طرق النجاح. وختاماً نزف التهنئة لكافة المترجمين في عُمان وخارجها بمناسبة اليوم العالمي للترجمة الذي يصادف اليوم (30 سبتمبر)، والذي اتخذ من عبارة "الترجمة تجمعناً " شعاراً له لهذا العام، حسب ما أعلن الاتحاد الدولي للمترجمين.

-----------

المراجع:

  • الهاشمي، عبدالله بن مسلم، 2015، الإستراتيجيات المباشرة لتنمية الثروة اللفظية: خصائصها وإجراءاها التعليمية.
  • الشبراوي، محمد، كيف تقوي حصيلة لغتك العربية؟ (2017)، متوفر في https://www.noonpost.com/ تاريخ المطالعة [22/9/2021]
  • كولماس، فلوريان، 2000، اللغة والاقتصاد، عالم المعرفة 263، الكويت، ص8.

تعليق عبر الفيس بوك