القرار الحكيم النافذ!

 

حمد بن سالم العلوي

لست مع المتشائمين والمتلكئين، وإن كان لهم الصوت الأعلى هذه الأيام، وذلك قياسًا على ما نراه على صفحات التواصل الاجتماعي، ولا أؤيد نظراتهم السوداوية، فهم يشكون من ضيق في الحُريات وبطء في تنفيذ القرارات، ولكن من يَرد صفحات تويتر- مثلاً- يرى فائضاً كبيراً من الحُرية، وأن هناك قرارات تُنفذ، لكن وفق مخطط مُنظم وخطوات ثابتة، والحقيقة التي نراها- نحن المراقبين- أنَّ الغالبية "التويترية"، تصدر أحكامًا مرسلة وظالمة وقاسية على الحكومة، وليس هذا وحسب؛ وإنما فيها الكثير من الشَّطط والتَّجني، وكذلك المكر والشماتة في حق الوطن بأكمله، وهذه آفة دخيلة لم نعتدها من قبل في وطننا عُمان.

وقد يكون سبب كل هذا التجنيّ، ضبابية الصورة التي يتلقاها هذا الإنسان نتيجة لضعف بأداء الإعلام الرسمي، وهذا التويتري المصدر؛ يظن نفسه أنه عميق في فهمه وقناعاته، ولكن في الحقيقة الكلية، فإنه بسيط وسهل وسريع التصديق والانفعال، ولا يعلم أن هناك عفاريت تلهب عليه عبر تويتر وواتساب، وتُريه ما تريدُ منه أن يرى، وأن تأخذه إلى الأهداف التي رسمتها تلك العفاريت له، طبعاً العفاريت الذين أتحدث عنهم ليسوا من الجن، بل هم من الإنس الذين نذروا أنفسهم لخدمة الشيطان الرجيم، بإخلاصٍ وتفانٍ ومُثابرة، ودون كلل أو ملل، ويتبعون المصيبة بالمصيبة، مستهدفين عُمان دونما سبب اقترفته، اللَّهُمَّ إلاّ أن يكون ذلك حسداً من عند أنفسهم.

ولكن.. القرار الحكيم النافذ يحمل بين ثناياه سر النجاح، فينبغي علينا؛ بل على حكومتنا الرشيدة بالدرجة الأولى، عندما تتخذ قرارًا ما، عليها أن تظهر به تفاعلًا معقولًا مع الأحداث، وأن تسرّع من وتيرة العمل والإنجاز المقدور عليه. فعلى سبيل المثال؛ هناك قرارات لا تحتمل التأجيل والمماطلة، مثل عملية الإحلال في الوظائف العُليا، وخاصة في الشركات الكبيرة، وبالمناسبة هناك شركات كبرى، ولكنها مغلقة على بعض العوائل، وقد يقولون هذه أموالنا ونحن أحرار في شركاتنا، وهذا صحيح وغير صحيح في نفس الوقت، فهي تنمو وتتوسع نتيجة الأمان والاطمئنان الوطني، الذي وفرته الدولة والمجتمع، ولكن هذا الأمان والاطمئنان، يجب أن تكون له ضريبة، بداية بتشغيل أبناء الوطن، وكذلك بدفع الزكاة الشرعية التي تسهم في التنمية الاجتماعية، وإنَّ نمو التجارة والأموال، لا يتحقق إلا بتوفير الأمان والسكينة العامة، وبالشكر تدوم النعم.

وعلى عُماننا العزيزة أن تتجاوز المراحل التقليدية، وهذا يحتاج إلى قرار عاجل من السلطة العُليا، وعلى الحكومة أن لا تتأخر في اتخاذه، فعُمان يجب أن تتحول إلى دولة صناعية، وأن تدفع الدعم المحرز في البحث والابتكار، وأن لا تعيق تطورها برفع الضرائب والرسوم، وفواتير الكهرباء والماء والهاتف وكذلك أسعار الوقود؛ لأنه ببساطة لا توجد نسبة وتناسب تبرر ذلك، ولأن كل ذلك ينفّر المستثمرين، ويُرهق الشركات كلها وخاصة الصغيرة والمتوسطة، ويجب أن ننتج الطاقة النظيفة من الشمس والهواء وحتى موج البحر، وإن كانت ستبدأ بالدقم كما ورد في تقارير الأخبار، ولكن يجب أن تتعدى الدقم إلى كافة أنحاء البلاد، وهذه طاقة واعدة ومتجددة ولا تنضب إلا بنضوب الحياة على الأرض، ويُمكن أن تغطي احتياجات الوطن كله وتصدير الفائض.

ويجب اتخاذ قرار باستحداث الجمعيات الأهلية، ودعمها بالمال والاستشارات الفنية، وأن يُنظر إلى تمليكها للعاملين العُمانيين فيها بمرور الوقت، وبذلك ستخلق تنافسية تكسر احتكار الوافدين للتجارة والصناعة المحلية. كما يجب على الدولة؛ أن تتخذ قرارا بالتخطط للاستحواذ على أسواق الجملة من أيدي الوافدين بالتدرج المنطقي، وكذلك تجارة مواد البناء وقطع الغيار، وأسواق الخضار والفواكه والمنتجات الزراعية، وأسواق السيارات فبعضها الآن يقوم على اسم الوكيل الوطني، ولكن أصحابها الحقيقيين ليسوا كذلك، ومثلهم الكثير من أصحاب الكسارات والمحاجر، وإذا كانوا مستثمرين يجب أن يخضعوا لقوانين الاستثمار.

كما يجب أولًا أن تخذ قرارًا نعترف فيه بأن هناك إخفاقاً في صناعة السياحة، ومن ثم نعمل على تنشيط السياحة، والسياحة النظيفة وحسب، ولا نخشى من السياحة النظيفة، فهناك أناس يأتون لرؤية عظمة التأريخ العُماني، وجمال الطبيعة وجمال تنوعها، ولو كان هدفهم الخمرة وأخواتها، لعرفوا الوجهة التي تأخذهم إلى هُناك، ولكن من غير المعقول أن يأتي السائح من أوروبا أو اليابان، وإذا أراد قضاء الحاجة، قِيل له أذهب خلف حصاة، أو تحت شجرةٍ، وكذلك السائح يريد أن يأكل ويشرب، ويتسوق منتجات محلية للذكرى، فلا يجد حاجته من ذلك حيث يتواجد، إلا أن يكون قد أتى بحاجياته معه في حقيبة يحملها على ظهره، كل هذه الأمور يجب أن تعالج وبصورة عاجلة.

إذن.. هناك الكثير من القرارات الصائبة يجب أن نتخذها ودون إبطاء، وذلك حتى نصنع الفارق المطلوب للرقي بعُمان، ونحن لا نشكو من ندرة العقول والإبتكارات، والمتتبع للأخبار المحلية؛ يرى زحمة وتنافسا في الابتكارات، فقد لا يكاد يمر يوم واحد، إلا وتجد أنَّ هناك مبتكرًا جديدًا أو أكثر، والمبتكرون كحديقة الزهور، وهي تزهر دومًا، ولكن إن لم تجد من يتكفل برعايتها تذبل وتختفي بين ثنايا الإهمال والنسيان، لذلك علينا المسارعة بتبني تلك الأفكار المزهرة والعناية بها.

إن عُمان كانت متفردة بنهجها عبر التاريخ البعيد، لذلك يجب ألا نقارب ونقارن بينها والدول العربية، أو الدول المتخلفة، وإنما أن نقارن بينها والدول المتقدمة، فنحن وخلال القرون القريبة الماضية، كنا ندًا لإمبراطوريات العالم، ولكن نحن توقفنا وهم تقدموا، واليوم من حقنا أن نصنع تأريخنا بأيدينا، ونربطه مع تاريخ أجدادنا، لقد كان كل الأقوياء يخطبون ودّ الإمبراطورية العُمانية، فبالعزم والاتكال على أنفسنا وبعد التوكل على الله، أصبح يحق لنا أن نشق طريقنا نحو العُلا، مترسمين خطى الأجداد، وكما يقول المثل "من شابه أباه ما ظلم"، فنحن لا نشق طريقًا في الظلام، ولا نسير في الصحراء بلا هُدى، وإنما نسير في دروب واضحة المعالم، وثابتة على صخر صلد لا على تلال من الرمل، فعلينا إذن بالعمل الجاد، وأن نترك مُقارنات "تويتر" للذين بلا أصل ولا تاريخ، أما نحن فقدوتنا في القلاع والحصون، وتاريخنا المسطر على كل على البحار والمحيطات، وعُمان انتزعت بمكانتها القوية بحرين باسمها بحر عُمان وبحر العرب.

لكن.. القرار الحكيم النافذ والصائب، يكون كذلك؛ إذا ما كان ينفَّذ تحت عينٌ رقيبةٌ قوية النظرة، وحاسمة المُراقبة والتقييم.. وختاماً ندعو الله القدير العزيز أن يحفظ ويبارك عُماننا الأبية وسلطانها الأمين.