هذا الوطن غاية

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

ليس الوطن ذلك المكان الجغرافي الذي نعيش فيه، ونكبر فيه، ليس الوطن هذا فحسب؛ وإنما الوطن معشوق أبدي لا يخفت حبه أبدًا، ولا يُمكن استبداله بوطن آخر، فالرابط بين الإنسان ووطنه رابط روحي وفطري، والعلاقة بين الإنسان ووطنه علاقة حميمية متصلة، لا انفصام لها، ولا يمكن لأي عاقل أن يشكك في محبة أي كان لوطنه، فإن وجد ذلك الإنسان غير المحب فهذا جحود ينكره كل شيء، وتجاوز ترفضه الفطرة السليمة، وتصرَّفٌ لا يمت للإنسان بأي صلة، فالوطن هو الوطن الذي لا مناص من محبته، ولا مفر من ألفته، ولا سبيل للإساءة إليه؛ فكيف يسيئ الإنسان لنفسه؟ كيف يتجاوز حدود محبته وإخلاصه لوطنه؟

ومع هذه الفطرة السليمة لمحبة الوطن، نشأ العرب قبل الإسلام على محبة أوطانهم والانتماء لقبائلهم والدفاع عنها دفاع من لا يرجو السلامة. ثم جاء الإسلام، فهذب لنا هذا السلوك، وهذه المحبة، وأخرجها من ضيق القبيلة إلى سعة الوطن، ومن قيد القوميات والعرقيات إلى رحابة الإسلام وسماحته ورقيه وتفوقه على كل الأديان في التأكيد على محبة الأوطان، وشواهد ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها وسردها في هذا المقال.

وحديثي اليوم ليس عامًا؛ بل هو حديث خاص، والوطن الذي هو الغاية المنشودة، والمراد المأمول، والعشق الأبدي، هو عُمان أرض الخير والسعادة، أرض المحبة والسرور، أرض السلام والوئام، أرض محاسن الأخلاق، ومكارم الصفات، أرض كل مخلص وعاشق لوطنه ومحب له. عُمان راية شرف وعزة، عُمان موطن أهل الفضل والجود والكرم، عُمان أرض النفوس الزاكية، والبنود العالية، والشواهد الواضحة، أرض الأئمة والسلاطين؛ الذين دان الزمان لفضلهم، وشهد الجميع بعدلهم، وسطّر التاريخ سيرهم بأحرف من نور، على مر العصور، إلى عهدها الزاهر الميمون بنهضة عُمانية متجددةٍ، وعزيمة سلطانية ثابتة، وقواعد وطنية راسخة، ومُرتكزات عُمانية خالصة.

عُمان هذا الاسم الذي يحظى باحترام الجميع، وتقدير الأمم والشعوب، وفي عديد من المرات وأنا خارج هذا الوطن، لزيارة أو دراسة أو سياحة، وعند زيارة أي دولة، وفي أول انطباع يسكن نفوسنا وجوارحنا، وعند التأكد من وثائق السفر؛ يبادرك رجل الجوازات بسؤال مع سعادة وفرحة: أنت عُماني؟ تجيبه نعم. فيبتسم لك ابتسامة المحبة، ويسرع إليك برده تفضل، ومشاعره تردد حللت أهلا ووطئت سهلا، جئت زائرًا تسبقك سيرة بلدك، ودماثة أخلاق قومك، وحسن تعامل أئمتك وسلاطينك، جئت زائرًا يسبقك حسن التعامل، وطيب المعشر، واحترام الآخر، ومعرفة الواجب وأدائه، لعمري إنها سعادة كبيرة، يشعر بها كل من يمّم سفره ناحية دولة من الدول، وهذا نتاج بذل وجهد وعمل انتهجته عُمان، وسياسة خارجية حرص عليها أئمة عُمان وسلاطينها منذ أن قامت لعُمان دولة ذات سيادة.

إن وطناً كعُمان كيف لا يعشقه أهله، ولا يحبه بنوه، وحقيقة القول: استحق أبناء عُمان هذا الوطن، كما استحق الوطن هذا الشعب الأبي المخلص المحب. ولأن الدنيا بين خير وشر، وسرور وحزن، والدول بين منحة ومحنة، والوطن هو الغاية المنشودة، فالصبر عند مواطن الشدة أولى وأجدر، وظهور المعادن النفيسة عند الملمات والكربات أدوم وأمضى، وقد مرت علينا أزمة اقتصادية خانقة، تأثرنا جميعاً بها، وكوينا بنارها، ونالت من الكثير منِّا ما لم نعتد عليه، وهي بإذن الله تعالى ماضية منتهية، وأيام زوالها قد بانت تباشيرها، وغدا نقول كانت أيام شدة، ولّت بفضل الله تعالى، ثم بعزيمة مولانا السلطان، وصبرنا وثباتنا، وما النصر إلا صبر ساعة.

ومما يندى له الجبين، ويتطلب الواجب الإشارة إليه ما يتداوله العديد من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما يعد تجاوزا لحدود الحريات، ومخالفة لصريح القانون، فالتعبير عن رأيك أمر محمود ومطلوب، وهو حق لازم لمن أراد النصح والإرشاد لا الإساءة وسوء التعامل؛ فالوطن كيان لا يصح المساس به والتقليل من شأنه أبداً أو مقارنته بغيره فلكل ظروفه وسياسته ونهجه، ومولانا السلطان وأسرته الكريمة ذوات مصونة، وحفظها حفظ لهيبة الدولة التي لا مساس بها ولا مجال للتجاوز عمن نال منها، وكل مسؤول في هذا الوطن هو مواطن كفل القانون حقوقه فإن قصّر حاسبه أهل الاختصاص، وإن أحسن كافأه المسؤولون عنه وذكره الناس، ودعوة الخروج والتجمعات كلما اشتد بنا أمر، أمر لم نألفه، ويختلط فيه الصالح والطالح ويكون ملاذًا ومتسعًا لذوي النوايا غير السليمة، فتحدث الحوادث وتنتهك أستار النظام ويُساء لهيبة الدولة ومكانتها، وهما أمران مقترنان لا انفصام لهما ولا مجال للتقليل من شأنهما. ومن الأمور التي لا بُد منها عدم تداول الشائعات فهي سبيل كل شر، وغاية كل متربص، وطريق للفرقة وشتات الشمل، والابتعاد عنها ضرورة لازمة، كما إن الإساءة لرموز الوطن ورجاله ومؤسساته المختلفة، ليس من الحق في شيء، وليس من أخلاق الكرام، وأبناء عُمان كرام من قوم كرام، ومراعاة ذلك أمر مهم للغاية.

وقبل أن اختتم هذه المقالة، أود أن أشير لأمر مهم جدًا، وهو أنني لست هنا في مقام المدح أو المنع، وإنما هذا مقام توضيح لبعض الجوانب التي قد تفوت الواحد منِّا، ويلزم ذكرها، ولعل سائل يسأل؛ هل معنى ذلك أن نقف دون مطالبة بالحقوق؟ والجواب لا لستُ أدعو أحدًا لعدم المطالبة بحقه؛ بل طلب الحقوق واجب، ولكن لكل أمر وسيلته التي حددها القانون والنظام، وطريقة لا تؤذي أحدًا ولا تسبب ضرراً ولا يكون أثرها سيئاً. بهذا تطلب يا صاحب الحق حقك، وتضمن لغيرك حقوقهم. ولنتذكر دوما وأبدًا أن عُمان هي الغاية التي ننشدها وننشد تقدمها ورقيها، ونحرص على أمنها واستقرارها، وهذا له سبيل واحد وهو الالتزام بما ألزمنا به القانون.

حفظ الله تعالى بلادنا الغالية عُمان وسلطانها المعظم وشعبها الكريم.