أهالي الظاهرة يطالبون ببحر

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

قبل عدة أعوام كان هناك حديث حول مطالب أهالي الظاهرة بإيجاد بحر لهم، وكان ذلك أقرب إلى الخيال، ليس من الناحية الجغرافية وحسب، وإنما أيضاً من حيث طبيعة أهالي الظاهرة التي هي بعيدة كل البُعد عن طبيعة البحر؛ غير أنني اليوم قد أجعل من هذه الحقيقة أقرب إلى ذلك بين زمان مضى وبين طموح قادم أسهل بكثير من الخيال العلمي على الأقل.

لا شك أن هناك علاقة كبيرة؛ بل ارتباط بينما يرى الإنسان بشكل اعتيادي في يومه وما يسقط عليه من طموحاته ومشاريعه وآماله الإستراتيجية وهذا يشمل الجانب الرسمي والمواطن، ولذلك اعتدنا أن نرى الظاهرة بكل ما فيها ما بين المناطق المأهولة والمنتصف الجغرافي لعُمان ولفترة طويلة قد تكون إلى يومنا هذا، ناسين أو متناسين أن بها كنوزًا أخرى قد تفوق ما نعلمه اليوم. ولقد كان للصدفة مكان عندما توغلنا قليلاً جداً في الصحراء، واكتشفنا حوضاً مائياً كبيراً هو المُغذي للمنطقة بشكل عام اليوم، وعندما أضفنا إلى ذلك العمق الجغرافي مسافةً أبعد قليلاً اكتشفنا النفط والحمدلله رب العالمين، لكن ومع ذلك فإنَّ أغلب من ارتاد تلك الصحاري هم من يعملون في شركات النفط أو في مهام وأعمال رسمية أخرى، وهذه الشريحة تقوم بواجبها ضمن برنامج محدد ومخطط له بعناية مما يجعلهم في تركيز مستمر فقط في ذلك الواجب، وكذلك القليل من المواطنين الذين ارتادوا تلك المنطقة.

اليوم أتحدث عن جانب استراتيجي مهم ليس فقط على المستوى الوطني؛ بل إنَّ أهميته قد تعيد حتى حسابات الطقس ومعدل الأمطار في المنطقة بشكلٍ عام، وكذلك يمكن أن يغير شكل الحياة والنقل والسياحة والصيد والتجارة وغيرها.. إنه "بحر أم السميم"، والذي لا يساورني أدنى شك في أنه آخر بحار المنطقة الذي عزلته الرمال وانقطاع الروافد المائية التي تربطه بالبحر، وإني أدعو الجميع إلى التوجه بنظرهم إلى تلك المناطق الرائعة التي ترقد بين الرمال، وتختزن كنوزاً ليس من المستحيل أن تكون أيقونة جغرافية على مستوى العالم في يوم من الأيام "بحر أم السميم".

لقد قيل عنه ومنذ زمنٍ طويل لا تقترب منه، فإنك في أي لحظة يمكن أن تختفي وقد يكون هذا صحيحًا من ناحية ذلك أن بعض البرك المائية هي مُغطاة بقشرة من التربة فقط، ولذلك وجب الحذر من الجميع وعدم التجول في تلك المنطقة، إلا في الطرق الممهدة، ومع ذلك فإنَّ كنوز الأرض دومًا يلصق بها شيء من النظريات مثل كنوز الفراعنة، وكذلك ما أثير على جبل خميلة في الزمن الماضي والذي اكتشف في النهاية أنه كنز من كنوز الأرض.

بحر أم السميم لا يمكنني وصف جماله وسحره والذي يجمع معظم مياه المنطقة عبر الأودية التي تصب فيه، كما أنه يتميز في الشتاء بجوٍ غريب يشعرك وكأن المكان مأهول بالبناء والعمران والبشر، وكأنه يناشدنا أن نخرجه للحياة، وأن قضاء ليلة في ذلك المكان لا يمكن نسيانه أبدًا. كذلك فإن المياه المالحة وفي بعض الأماكن واضحة للعيان على سطح الأرض، وإنني أتمنى وفي هذا الزمان البهي للعصر المشرق لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أن تُشكل لجنة وطنية علمية واجتماعية؛ لدراسة إمكانية إزالة جزء من التراب، وكذلك التفكير جديًا في ربطه بالبحر، وهذا الأمر سيكون جزءاً من التاريخ، وإذا كانت المقدرة الوطنية في ذلك محددة، فيمكن رؤية الفوائد الإقليمية، وكذلك إشراك المهتمين والمختصين حول العالم، وبذلك يمكن أن يكون بحر الظاهرة حقيقةً؛ بل تميزًا عمانيًا خالصًا، وإذا كان الأمر صعبًا اليوم، فعلينا بالطموح والبعد عن اليأس ورفع سقف الفكر أعلى بكثير تجاه ما يختزنه الوطن من كنوز، وأن نترك الباب مفتوحًا للأجيال القادمة كفكرة، فعسى أن تكون لديهم المقدرة الأفضل والإمكانيات الأفضل، كما يُمكن للتقدم العالمي تكنولوجيًا أن يحقق هذا الحلم بصورة أفضل.