الرَقمُ 100

 

أنيسة الهوتية

الرَقمُ 100، هو مُنتهى الأرقام بالنسبة للأطفال حين تَعلُمِهِم العَد! وسُرعانَ ما يُدركون أن هُناك 100 جَديدة عليهم أن يتعلموها بلغةٍ أخرى! وبعد حفظ المئة العربية ثم المئة الإنجليزية أو بالعكس يتفاجأون بأنَّ هُناك أرقامٌ أخرى تأتي بعد المئة، وَبأن هُناك مئاتٌ أخرى بِلُغاتٍ أخرى تبقى قِيمتها ثابتة مَهما تغيرتَ مُسمياتها.

وبِجانب قيمة الـ100 في لغة الأرقام، هو أيضاً قِياس ومقياس للإنجازات الشخصية والنِسَب والتقييم بكافة أنواعه، فنسبة النجاح والتأهيل الدراسي مِن حد الـ100%، ونسبة الفوائد والخَسائر التِجارية وتقدير الأرباح 100%، ونسبة تقييم أداء الموظفين في عملهم بمختلف أنواعه 100%، وعَلى ذِكرِ نسبة تقييم الأداء العَملي تذكرتُ موقفاً لموظف قُيِمَ أداؤه بنسبة 100% من مُديرهِ المباشر ولَكِن رُفِض التقييمُ من الجهة المسؤولة بتعليق: يَستحيلُ أن يصل أي موظف لِنسبةِ 100% فالكمال لله وحده! وَكانَ هُنا التساؤل العَظيم، ألا وهو: مَا دَخُل الكَمال الإلهي في نسبة تقييم عَمَلِ المُوظف واجتهاداتهِ المهنية!!

فلنفترض أن هُناكَ طَالبٌ أتى بنسبةِ 100% في مادةِ مُعينة، وَبِالمُقابِل أتى في غيرها بنسبةِ 85% إذاً سهولة هذا مقابل صعوبة ذاك أو الاجتهاد لشيء مع عدمه لشيءٍ آخر، يأتي بالنِسب التقديرية التي تَندَرِجُ تحت النِسبة العَامة لقُدرات الإنسان وتسخيره لِهذهِ القُدراتِ في العطاء البدني، العقلي، الذهني، وكُلُ ذَلِك يندرج تحت نسبة تقييمه كِإنسانٍ مِن خلال مُعاملاته اليومية وتعاطيه وتعامله مع عائلته، مجتمعه، ونفسه التي يندرج تحتها أهمُ ضِدان (دينه ودُنياه) فيُحدِدُ لِنفسهِ أن يكونَ تابعاً لأيٍ مِنهُما! ولنتخيل أن الإنسان دائرةٌ كبيرة تتخلله دوائر كثيرة بأحجامٍ مختلفة أصغر متداخلة مع بعضها البعض، والمُلونةُ مِنها هي المُكتملة نسبياً في مهامها والمفرغة هي التي لم تكتمل، وخِلال الـ24 ساعة إن أكمل الإنسانُ تلوين عِدة دوائر بنسبة 100% فإنه وبِلا شك يتبقى لديهِ دوائر مفرغة، وهذا يؤكد لنا أنه لا يستحيل على الإنسان أن يأتي بنسبة 100% في عمله، فإنه ليس كمالاً إلهياً مُستحيلاً بل إنها نسبة تقديرية على الجهد العملي المبذول من هذا الإنسان في دائرة عمله وبالمقابل الـ100% في العمل تكون قد خلفت نسبا أخرى ضئيلة جداً في دوائر أخرى منها العائلة، العلاقات الأسرية والاجتماعية، الصحة، الراحة، الرفاهية، والهدوء والسكينة.

وكِتاب 100 أعظم شخصية تاريخية، لا تعني بأن لا عُظماء تاريخيين قبلهم وبعدهم! ومسابقة 100 أجمل وجه في العالم لا تعني بأن لا وجه جميل غيرهم! وتحديد 100 أجمل مدينة للسفر والسياحة في العالم، وكِتابُ "100 عامٍ مِن العُزلة" لم يؤكد لنا إن كانت أعواما شمسية أم قمريةَ! فمئة إحداهما تكون أقل في الأخرى أو أكثر بالعكس، وحرب المئة عام بين إنجلترا وفرنسا في الحقيقة هُضِم حقها بعشرين عامًا وَنيف! ومئة عامٍ مِن المفاوضاتِ مَعَ إسرائيل كانت كفيلة بأن تنتصر هي؛ لأن هذه هي مهمة المفاوضات!

إذًا، فالمئة ليست دائمًا مُجدية! ومئة رسالة حُب من نِزار قباني ليست إثباتًا بأنه لم يكتب بعدها رسائل حُبٍ أخرى! وبرنامج 100 امرأة مُلهِمة في العالم على قناة "بي بي سي" ليست دليلًا على أنهن فعلاً مُلهِماتٌ للجميع ولا بأن لا مُلهِمات غيرهن في العالم! والمئة مضروبة بثلاثة كانت نِتاج فوز أسبرطة على الفُرس بـ300 محارب.

أما في العالم الافتراضي فإنَّ الـ100 لا قيمة لها أبدًا، إلا إذا كانت مضروبة بمئاتٍ أخرى من عدد المتابعين. وَسِحرُ الرقم 100 الآن يُشعرني بالفرحة بمجرد ما أن أتذكر أن هذا هو مقالي المئة مع جريدة الرؤية العمانية المُميزة بِصدقها ورؤيتها الإنسانية.