الفكر وتقدم الأمم

 

ناصف العمري

 

الفكر هو تشغيل العقل بما هو حوله والخروج عن الصندوق أو الإطار الضيق الذي يغلف الأشياء الملموسة واللا ملموسة والغوص في أعماق الأسئلة والأجوبة للوصول إلى استنتاجات مقنعة وواقعية تودي إلى فهم  الأمور مما يسهل إدارتها والتعامل معها بشكل دقيق ومناسب للحصول على أفضل النتائج لمصلحة الإنسانية.

يعتبر المفكر في ثقافتنا هو المشاكس في الأسره أو المجتمع وينظر إليه الناس على أنه شخصية معقدة ويصعب التعامل معها. ولكن للأسف يتم إغفال الجوانب الإيجابية لهذه الشخصية المشاكسة التي تفتح أبوابا واتجاهات غير مألوفة للمواضيع والقضايا التي تمس حياتنا اليومية كأفراد ومجتمع وتهدف إلى تغيير ما هو خاطئ منها وتطوير الصالح منها لأن الكون بطبيعته غير ثابت ومُتغير بشكل مستمر.

في أغلب الأحيان نحب التقليد والسير على نهج مُتبع بإيجابياته وسلبياته ولا نحاول أن نجهد عقولنا بالتفكير المنطقي لاستنتاج واستخلاص الجوانب التي يمكن أن نستفيد منها ونترك ما هوغير مفيد بسبب حب الاتباع والتوافق مع ما هو حولنا. ولذلك نرى أنفسنا والمجتمع في تطور ضعيف أو معدوم في بعض الأحيان.

الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان عن كافة المخلوقات بالعقل ودعا الإنسان إلى التفكير والتدبر في خلق الله من الكون الواسع بكواكبه ومجراته إلى الأرض؛ ومن الإبل والرواسي إلى أصغر مخلوقاته النمل.

الفكر ليس كما يظنه الناس بأنه مختبر مجهز وفيه الكثير من الأجهزه المعقدة والتليسكوبات؛ بحيث أصبحت هذه الصورة عالقة في أذهاننا وتكرسها الصورة النمطية الضيقة منذ صغرنا من خلال أفلام الكرتون وإنتاجات هوليود الخيال العلمي.

ولأن الفكر هو نواة الحضارة وسبيل التطور أصبح قدر الأمم والشعوب الناجحة أكثرها فكرا. الأمم الشغوفة بالعلم والتجربة والبحث تسعى باستمرار ومن دون كلل أو ملل للابتكار والاختراع ليس فقط في المجال الصناعي وإنما في كافة المجالات الأدبية والفنية والعلمية.

أبرز الأمثلة التي يمكن أن تأخذ وتمثل الفكر هم الأنبياء. سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام جاء إلى قومه بفكر جديد ودعاهم إلى عبادة الله وترك الأصنام التي لا تنفع ولا تضر. فتلقى منهم الإساءة والاحتقار وحاولوا التخلص منه وإحراقه بالنار.

في واقعنا المعاصر هناك تجارب عديدة ناجحة تؤكد أهمية الفكر في تقدم البشرية مثل تفكير نيوتن في نظرية الجاذبية وما تبعها من نظريات علمية عن قوانين الحركة والتي كان لها دور كبير في لاحقا من إنتاجات في مجال الطيران والفيزياء والرياضيات.

يجب أن لا يستهان بالفكر لأنه بوصلة البشر والطريق المضيء لتقدم وسعادة الإنسان ورقيه. في الدول المتقدمة يتم الاعتناء وتوظيف جميع الإمكانيات للمفكرين لأنهم يساهمون في تقدم دولهم من خلال طرحهم للمشاكل ومُعالجتها؛ كما يستبقون الواقع بتقديم اختراعات وأفكار تمضي للمستقبل بتفاؤل واستباق.

إن أهم ما يجب أن نكرسه ونعلمه لأبنائنا وأجيال المستقبل هو تشغيل الفكر للوصول إلى أفضل النتائج والمساهمة في الحضارة الإنسانية بحيث تفهم الأجيال الناشئة رسالتها الإنسانية وتسير بخطى واثقة إلى المستقبل من دون معوقات فكرية ورجعية.

يبدأ بناء أجيال المستقبل من التربية الأسرية التي تشجع أبناءها على طرح الأسئلة والمناقشة والتفكير. ويجب على الوالدين عدم إعطاء التعليمات والأوامر لأبنائهم بشكل الزامي من دون توضيح أو مناقشة فيصبح الأبناء مجرد متلقين ويكرس في نفوسهم قواعد معينة قد تكون صائبة أو خاطئة؛ رغم أن مناقشتها معهم ستُؤدي إلى فهم واستيعاب أفضل وتنمي قدراتهم العقلية والفكرية.

ويأتي دور المدرسة والجامعة والمؤسسات تاليا في تعزيز وتطوير المناهج الفكرية ورعايتها لبناء مجتمع تفاعلي ونشط. بحيث تكون الأولوية للبحوث الأدبية والعلمية وكافة العلوم الإنسانية التي تخدم مسيرة التقدم والازدهار. يجب الخروج من مناهج التلقين والتحفيظ التي جعلت الطلاب كأنهم روبوتات بشرية أو مسجلات صوتية تتلقى الإملاءات بدون تفاعل مثمر. المناهج يجب أن تكون هادفة إلى تعزيز الفكر والطرح والأسئلة للوصول إلى الإجابات والحلول وبالتالي يصبح لدينا كوادر نابغة يمكنها بناء أمم عظيمة تخدم الإنسانية.

في الختام أصبح جلياً أهمية الفكر على مر العصور والتأثيرات التي أحدثها في مسيرة البشرية إلى يومنا هذا. وأصبح العالم مقسماً إلى فئات حسب تقدمه العلمي والصناعي والحضاري بين عالم مُتقدم ونامٍ وعالم ثالث. فأين نريد أن نكون؟

تعليق عبر الفيس بوك