مستنقع الضفادع

أنيسة الهوتية

يُقال: الماءُ راكدٌ إذا لاقته نجاسة ولم تغيرهُ فإنهُ يتنجس. ومياهُ المستنقعات تعتبر من المياه الراكدة التي لربما لاقتها نجاسة، وفي الحالة الثانية وإن لم تلاقها نجاسة تبقى مياهًا غير آمنة للاستهلاك الآدمي لأسباب كثيرة؛ أولها قِلة الأُكسجين فيها، ومن ثم أنها تكون منبتًا للجراثيم والبكتيريا والفيروسات، وعَفَن الرطوبة والطحالب وغيرها.

لكن كما قيل ولا زال يُقال: ما ينفعك لربما يضر غيرك، وما يضرك لربما ينفع غيرك! والحالة هذه تنطبق على ضفادع المُستنقعات التي تعيش سعيدةً جِداً فيها وَفي مياهها الراكدة وبيئتها الخضراء الرطبة التي تلائم أجسادها البرمائية، والتي تمتلئ بما لذ وطَاب من الغذاء المُستنقعي.

وحياة الضفادع الاجتماعية أكثر أُلفةً مِن الأسماك وبقية الحشرات والطفيليات والحلازين في المُستنقع، وتكادُ تكونُ هي من أرقى المخلوقات في تلك البيئة خاصة وأنها تستطيع أن تدخل إلى تلك المياه الراكدة الضحلة ثم تخرج منها بسهولة. وأيضاً تستطيع القفز من مكانٍ إلى مكان وعلى أوراق الأشجار والنباتات! فإنها غير مُقيدة في تحركها. إن الضفادعَ مخلوقات تستمتع بدورتي حياتها، ونقيقها يُعتبر غناءً وطرباً وفناً في ذلك المستنقع، وقفزاتها الطويلة تعتبر رشاقةً ولياقة وإبهاراً للآخرين كلاعبٍ أولمبي وُرِثَ وَوَرِثَ تِلك الصفات بلا مُنازع فإنَّ الصفات الوراثية أقوى عامل من عوامل الطبيعة!

وتِلك الضفادع أمام انبهار الآخرين بها تظنُ أنها أفضل وأجمل المخلوقات في الكون -الذي هو ذلك المستنقع-، لأنها ليست على علم بالمخلوقات التي تتواجد خارج البيئة المستنقعية التي تعيش وتَموت فيها! حتى أنها لا تعلم بأنَّ هناك ضفادع مِن بَني جنسها في مُستنقعات أخرى تتميز عنها، برشاقتها، ولياقتها، وأملسية جلدها أو لونها وحجمها، وأن هناك الضفادع الأندونيسية التي تميَّزت بأنها تلد ولا تبيض!

وعَلى سبيل الفُكاهة: عِندما تحول الأميرُ الوسيمُ إلى ضفدعٍ بسبب لعنةِ الساحرة الشريرة، فإنِّه لم يتحول إلى ضفدعٍ عادي؛ بل إلى ضفدعٍ وسيم فرفضته الضفادعُ التي كانت في المُستنقع المجاور، لذلك اضطر إلى العيش في البئر وحيداً إلى أن وجدته الأميرةُ وقبلتهُ تلك القبلة الأسطورية التي أرجعتهُ إلى ما كان عليه! ولكن، ماذا لو أنَّ الأميرة انقلبت إلى ضفدعة بعد تلك القبلة وأنجبا معاً ضفادع جميلة في ذلك البئر أجمل وأكثر وسامة ولياقة ورشاقة من ضفادع المستنقع! ومِنهم كان الضفدع "كيرميت" الذي وصل إلى أقصى درجات الشُهرة في عالم الأطفال وكذلك الكبار. ولكن وللأسف كشخصية خيالية! وللأسف الشخصيات الخيالية كثيرة جِداً في عالمنا الواقعي! عبر مختلف المنصات، نراهم أبطالاً ورموزاً ونجوماً وأشياء كثيرة، ولكنهم في الواقع ليسوا سوى مخلوقات تعيش في مستنقعٍ خاصٍ بها دون القدرة على الخروج! ولربما يرى البعض أن الخروج من المستنقع هو الانسلاخ من المبادئ والأخلاق والعرف الاجتماعي، ولكن لربما هو العكس تماماً!! بأن الانسلاخ من كل ذلك هو أصلُ الغرق في وحل المستنقع والأسوأ هو التحول من ضفدع برمائي إلى دودة أرض، أو طُفيلي، أو حتى طُحلُب أو عَفَن! والأسوأ من الأسوأ أن يتحول إلى طين مستنقع تلتصقُ بهِ المخلوقات ولا يسمح لها بالخروج أبداً، فيؤثر عليها بسحره الأقوى من سحر الساحرة الشريرة، فيُريهِ بأن ذلك العالم الرَطب المُظلم مُنيراً كالسماءِ دافئاً كالشمس، وإنغراسهُ في ذلك الطين طيراناً كالنسر وعلواً وسُمواً، ومَوتَ أخلاقهِ وعفته وطهارته نجاحاً ومهارةً وذكاءً، ويريهِ أن نُبلهُ في الدناءة، وكرامته في اللؤم، ونقاؤه في الخبث، وجمالهُ في كل قبيحٍ.

ولِمن أحبَ حياة المُستنقعات، عِش ضِفدعاً أو غادر المستنقع! ولا تنتظر القُبلة السحرية.