قُرانا.. وتخطيط لا أُريكم إلا ما أرى!!

 

راشد بن سباع الغافري

 

رأيتُ فيما يرى النائم- والعياذ بالله- أنَّ جهة ما طرحت مُسابقة بعنوان "القرية المُتميزة في التخطيط"، وكانت قريتنا قد دخلت هذه المنافسة بعد أن تمَّ تشكيل لجنة من شباب القرية وكبار السن ومن وجهائها ومثقفيها كي تتنافس مع القرى الأخرى في نيل ذلك اللقب.

وقد عملتْ تلك اللجنة بجد وجهد منقطع النظير؛ حيث حددت مكان الحديقة العامة لأطفالها، واختارت مكاناً آخر ليكون سوقاً شعبياً للمشغولات والمنتوجات اليدوية يفتح المجال وأبواب الرزق لأهالي القرية، ورسمت مخططاً آخر لتنظيم العزب وبالقرب منه سوقا لبيع وشراء المواشي ومتعلقاتها، كما اختارت مكاناً آخر لبيع الأعلاف الحيوانية وما يتعلق بالمزارعين وإنتاجهم مع مُراعاة قربه من الشارع وإمكانية الوصول السهل له من الأهالي.

وعمدت اللجنة إلى تخصيص مساحات لملاعب ومتنزهات صغيرة في المخططات السكنية، وأيضاً اختيار مكان لإنشاء ممشى رياضي، وآخر لهواة الدراجات الهوائية، وثالث ليكون مضمارًا لمربي الإبل والخيول. كما حددت قطع من الأراضي لبناء المجالس العامة في زوايا مختلفة من قريتنا مرفق بها مكتبات عامة. وتم اختيار مسار للطريق المعبد الذي يربط بين قريتنا والقرى المجاورة بحيث لا يتأثر بهبوط الأودية والشعاب الغزيرة. وقاد ذلك إلى اختيار موقع سدّ القرية الذي يتأمل منه العودة بالفائدة على الجميع ويسهم في حماية ممتلكاتهم.

وكانت هناك الكثير من الأعمال في مجال البستنة والتخطيطات والتعديلات التي طالت جميع ملامح القرية وتفاصيلها لا يتسع المجال لذكرها جميعًا.

لقد كان اختيار تلك المواقع دقيقاً ومناسباً، وكذلك اختيار الأنشطة والمجالات التي تناسب طبيعة الأهالي والأرض؛ وذلك لأن أعضاء اللجنة هم من أبناء القرية العارفين بتفاصيلها؛ والذين غلّبوا المصلحة العامة للقرية على المصالح الشخصية الضيّقة، ولأنَّ نظرتهم للاستفادة المرجوة من هذه المواقع كانت شاملة على المدى القريب والبعيد في آنٍ معًا؛ بحيث يمكن التوسع في تلك الخدمات وتطويرها لاحقًا.

وعلى إثر ذلك التخطيط والنتائج الإيجابية التي ظهرت منه فازت قريتنا بالمركز الأول على مستوى القرى والمدن المتنافسة في هذه المسابقة.

وأصبح يُطلق عليها بكل فخر لقب "القرية المتميزة"؛ حيث أصبح أطفالها ينعمون بحدائق ومتنزهات جميلة، وساهمت الأسواق المختلفة في حركة البيع والشراء، وخلق فرص العمل وكسب الرزق، وكانت هناك انسيابية واضحة في حركة النقل والتنقل دونما عرقلة من شعابها وأوديتها، وأصبح الوصول سهلا إلى مواقعها السياحية والطبيعية بسبب شبكة الطرق الداخلية، وتوفرت للشباب والفتيان أماكن رياضية وثقافية متعددة ومتنوعة لممارسة هواياتهم الرياضية والثقافية المختلفة، وقد ساهم السّد في زيادة المياه الجوفية واتساع الرقعة الزراعية.

إلا أنني صحوت مذعورًا على واقع تخطيطٍ للقرى يعتنق مبدأ "لا أُريكم إلا ما أرى"، فوجدتُ قريتي قد حُرمت من السوق الشعبي، وحُرم كثيرون على إثر ذلك من فرص الكسب الحلال، وحرمتْ من السدّ ولهذا كانت الشعاب تدخل إلى البيوت وتغرقها مع كل زخة مطر، وقُطّعت أوصال الشوارع بها بسبب تشييدها على مجاري الأودية، وحرمت من الجسور والأنفاق التي تساعد على انسيابة الشارع العام بها وتخفيف المعاناة على ساكني الأحياء في قضاء مصالحهم، وافتقدنا بسبب تلك النظرة المستبدة بالرأي الممشى والحديقة؛ ولكل ما يرفّه عن الناس من ضغوطات الحياة!!

وقد سادت نظرة "لا أريكم إلا ما أرى"، ردحًا من الزمن أهملت خلالها القرى وركزت الكثير من التفاصيل الإنشائية والخدمية على مركز الولاية وما جاورها فقط لدرجة التكدّس، مما سبب ازدحاماً واختناقات مرورية على ذلك المركز!!

فإلى متى تُهمش القرى؟! وإلى متى يَعتمد البعض نظام الوصاية عليها ويتحكمون بما يجب وما لا يجب أن يُنفذ فيها دونما استشارة لأهل القرى المستفيدين من تلك الخدمات؛ ودونما تخطيط جديّ لعدالة التوزيع بين قرى الولاية للإمكانيات المتوفرة؟!

وفي مصلحة من تستمر النتائج الفاشلة لتلك النظرة السلبية المقيتة؟! وكأن مُعتنقها في ميدان تنافس لإثبات الذات أو لتلقي جوفاء الإشادات؛ حتى لو كان ذلك على حساب مصالح القرى وساكنيها!!

لا أعلمُ من هو بالتحديد صاحب تلك النظرة المستبدة؛ لكن ما أعلمه جيداً أنّ كثيراً من القرى تفتقد للعديد من الخدمات والإنشاءات!!

نختم بالسؤال: لماذا لا يكون لكل قرية لجنتها الخاصة بمتابعة احتياجاتها ورفعها لجهات الاختصاص ومتابعة تنفيذ أولوياتها بحسب الإمكانيات المتاحة والمتوفرة سواء ما يوفره أبناؤها أو مما يتوافر من دعم رسمي أو من قطاع خاص؟!

فهل من مُغيّر لذلك المبدأ التّسلطي؟!

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة