تأملات في الوعي الجمعي


سعيد المعشني
يتمثل الوعي الجمعي في إدراك العقل للواقع المعيش؛ فالوعي كالمرآة العاكسة للحقائق، لذا فإنَّ للمجتمع بنى قيميّة ثابتة نسبيًا ومُتباينة في الجودة حيث تتشكل معالم ثابتها تبعًا للموروث الحضاري لكل مُجتمع، فما من شك أن المجتمع المتحضر يستند على منظومة من القيم المثلى مثل: الحرية، والعدالة، والإنسانية، وحب الوطن، والطموح، والمبادرة، والإيجابية وغيرها من الثوابت وفي جانب مُغاير هناك مجتمعات متخلفة أو رديئة والتي يشغل وعي جمعها وإدراك وجدانها بنى قيميّة رديئة كالطائفيّة، والعنصريّة، والأنانيّة، والظلم، والتحزب... وهلم جرا.
فليس من السهل أن ينتقل وعي المجتمع من التخلف إلى التَّحضر فإنما يسهل العكس فلقد كان العرب قبيل الإسلام أصحاب قيم رفيعة مثل: الكرم، والمروءة، وحسن الجوار، ومكارم الأخلاق؛ لكنها بعض قيم لم تشفع لمجتمع؛ بل لحقبة برمتها من الجاهلية، فإن اكتمال المنظومة القيمية عندنا مقرون بمجيء الإسلام دون شك، فإن البنى القيمية ثوابت لا تتغير ولكن يتفاوت التمسك بها في المجتمعات عامة ولدى الأفراد خاصة وعلى ضوء ذلك فقد نستطيع استقراء الحكم تبعًا للوعي الجمعي وإطلاقه على المجتمعات لوصفها بالمتحضرة أم المتخلفة وإطلاق أحكام على الأفراد أيضًا.
فعلى سبيل المثال نستنبط حكمًا نابعًا من كينونة الفرد وذاته فنحكم عليه جراء ردود أفعاله وتصرفاته ونقول: هذا وطني أم غير وطني...، إيجابي أم سلبي، عادل أم ظالم، إنساني أم غير إنساني. وفي نظري أن الوعي الفردي جزء من الوعي الجمعي كون الفرد مكون رئيس في المجتمع فليس بمقدوره التحرر من الوعي الجمعي ولو كان وعيه أسمى من الوعي الجمعي أو العكس -والأمر نسبي- فقد يكون وعي المجتمع أكثر رقيًّا من وعي بعض الأفراد.
ولا شك أنَّ إدارة وعي المجتمعات أمر في غاية الصعوبة لأنه وعي تراكمي على مدى أعوام طويلة يمر بها الفرد عبر عملية الاحتكاك الحضاري من خلال التأثير والتأثر بالمتغيرات العامة في كافة المجالات: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية...والتي يتأتى من خلالها تشكيل الوعي الجمعي والذي يُعدُّ إدراكًا جمعيًّا للبنى القيميّة التي تولد الحراك المجتمعي، فإنَّ الوعي الجمعي البناء يخلق مجتمعًا متحضرًا- والعكس تمامًا- في المجتمعات المتخلفة، فإنَّ وعيها الجمعي ضعيف وبُناها القيمية متذبذبة مع التأكد من أصالتها وأهميتها كثوابت مجتمعيّة مهمة.

تعليق عبر الفيس بوك