د. خالد بن حمد الغيلاني
@khaledalgailani
لا زال الحديث مستمراً لأن المجتمع بحاجة لذلك، ولا زال الدافع للكتابة عن قضايا مجتمعنا قويًا؛ لأن الوطن عمان التي نريدها في علو وشموخ ورفعة وتطور وتنمية مستمرة، ولأن أبناء الوطن يستحقون أن ينالوا الخير وينعموا بالسعادة وتتحقق لكل منهم أمنيته ومراده، ويصل إلى أهدافه التي تتفق مع أهداف الوطن، وتتسق مع السعي المستمر نحو علاج التحديات ومواجهة الصعوبات، وقد قيّض الله عز وجل لنا سلطانا معظّما نعلم صدقه وأمانته وحرصه على تحقيق الآمال والطموحات، وبلوغ الغايات الكبار، ونحن معه في المنشط والمكره، عونا وسندا.
العودة للمدارس
بعد عام دراسي انتهى مع فصله الأول، وعام دراسي بدأ وانتهى في مجمله عبر المنصات الإلكترونية فيما يسمى التعليم عن بعد، واليوم وبعد أن منَّ الله تعالى على عباده بانحسار مفرح لهذا الوباء، واتساع رقعة اللقاح، وحرص الجهات المختصة على العودة للتعليم المباشر لمعظم الصفوف الدراسية، فهذا دلالة جهود بذلت، وأعمال مضنية أنجزت، وسعي مشكور للعودة لمقاعد الدراسة التي افتقدها الجميع وعانى منها الطلاب أولا وأخيرا.
الأمر ليس بالعودة وفقط؛ بل يتطلب جهدا وبذلا غير عادي، لأن الطلاب وعبر التعليم غير المباشر لم تتحقق لهم الأهداف المرجوة، وإن تحقق منها شيء فبنسب محدودة للغاية، لذلك من المهم جداً، أن تعمد الجهات المختصة خلال الشهر الأول على الأقل إلى قياس حقيقي وواقعي لمدى تحقق الأهداف، ومستويات الطلاب، والعمل على تعويض الفاقد التعليمي عندهم من خلال خطط تكون في بداية العام مركزة، ولاسيما طلاب الحلقة الأولى، ثم تكون متزامنة مع تنفيذ المناهج الدراسية بقية العام الدراسي، مع التركيز على المواد الأساسية وإعطائها المساحة الكافية لتعويض الفاقد.
هذا يحتاج إلى تكاتف الجميع بداية من الأسرة التي تعلم يقيناً أن التعليم عن بعد لم يكن محل اهتمام من الطلاب، وكيف سار، ومن ثم من الهيئات التدريسية والوظائف المرتبطة بها والمساندة لها، ومن المسؤولين الذين عليهم واجب تسهيل متطلبات ذلك والتركيز عليه. فلا مناص لنا من تعويض هذا الفاقد حفاظاً على قدرات جيل نتطلع إلى دوره الوطني وواجبه المجتمعي في القريب المنظور وكلنا ثقة في الجميع.
أزمة تخطيط أم أزمة تنفيذ؟!
هذا أمر مُهم جدًا، ولابُد من الوقوف عليه، فكثيرًا ما نقرأ أو نسمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومنصات المؤسسات الحكومية؛ عن مشاريع تنموية، وبرامج تطويرية، يبني الناس عليها أحلاما عريضة، وآمالا كبيرة، ومع تحديد هذه المؤسسات لبرامج تنفيذ مشاريعها وخططها، لكن للأسف الشديد لا أثر على أرض الواقع، ولا حتى مسمارا يضرب، والسؤال الذي يلح علينا، لماذا يحدث هذا الأمر؟ أليس المشروع مدروساً بعناية؟ ثم أليس ضمن خطط محددة سلفا؟ وتم تحديد كلفتها عبر دراسات مالية واضحة؟ ومن ثم تخصيص المبالغ اللازمة لها؟ وحجزها لتنفيذها عبر إجراءات تناقصية واضحة.
فلماذا إذن لا نراها واقعاً نفرح به، ونجني أثره وثماره، ومن وجهة نظر شخصية قد تكون صوابا وقد تكون غير ذلك؛ أن الأزمة ليست في التخطيط للمشروع فهذا نصل فيه إلى درجة عالية من الإتقان والدقة وتحديد المدد والتكلفة، وإنما الإشكالية في عدم تعاون الجهات ذات العلاقة مع بعضها، ذلك التعاون الذي يُحقق أهداف الجهات مُجتمعة، ويسير بالخطط نحو تنفيذ واقعي متفق مع المدة الزمنية المحددة للتنفيذ.
ورغم علم الجميع أن هناك تنسيقات مستمرة وأن جهات التنفيذ تنسق مع جهات التمويل؛ إلا أن الالتزام بذلك ليس في المستوى المطلوب، لذلك لابد من الجهات المعنية مراعاة هذا الجانب، وتحديد أولوية تنفيذ المشاريع وفقًا لدورها في مسار التنمية الشاملة، وتنويع مصادر الدخل، وتقليل العجوزات المالية على المدى الطويل وليس المدى القصير، ولو تطلب الأمر توفير المال اللازم لهذه المشاريع عبر قنوات الاقتراض المعروفة، فلا بأس في ذلك في سبيل تنفيذ مشاريع حيوية سرعان ما نرى دورها وأثرها في تحقيق ما نرجوه من تقليل الاعتماد على النفط. وقد حان الوقت ليكون التخطيط سبيلا للتنفيذ وخلال المدد المحددة بهذا وحده نكون مطمئنين أين نسير؟
الإعلام المتخصص
منذ بدء الخليقة والاتصال مع الآخرين متطلب مهم من متطلبات الحياة الاجتماعية والتعايش بين الناس، وعلى مر العصور ومع زيادة أعداد البشر، واتساع الرقعة الجغرافية التي تحتويهم، زاد الاهتمام بالإعلام كوسيلة هامة وضرورية للتواصل، وتفعيل العلاقات وتطويرها، وأصبح الإعلام علما مستقلا من العلوم الإنسانية، له أصوله وفنونه وقواعده ومناهجه ومتطلباته، التي يدركها القائمون عليه والمتخصصون فيه، ومن لوازم علم الإعلام في عصرنا الحديث، وضرورات الصحافة بمختلف جوانبها، تعزيز الإعلام المتخصص، وتفعيل أدوار المشتغلين في العمل الإعلامي للتخصص في مجالاته المختلفة، وهذا أمر بالغ الأهمية لتطوير العمل الإعلامي، وتعزيز قدرات الإعلاميين.
فاليوم لم يعد الخبر الصحفي هو المحرك للناس، ولم تعد المعلومة هي الكافية لري ظمأ المتعطشين لمعرفة ما يدور حولهم سواء فيما يتعلق بالمجتمع خصوصا أو العالم عموما، لأن تسارع التكنولوجيا أسهم في سرعة الوصول للمعلومة ومعرفة الأخبار والأحداث؛ بل أصبح الناس يرغبون مع توسع مداركهم في سبر غور الخبر ومعرفة تفاصيله وما وراء هذه التفاصيل، بمعنى دقيق تفعيل الجانب التحليلي والاستقصائي في أي خبر. وهنا يأتي دور الإعلامي المتخصص في مجاله.
لذلك لابُد للجهات المعنية- وأعني الإعلامية منها- تعزيز هذا الجانب وإيجاد قاعدة وطنية من الإعلاميين المتخصصين في مجالات مختلفة، والعمل على تطوير قدراتهم كل بحسب متطلبات المجال الذي يشتغل عليه، فحقيقة الأمر المشتغل في الإعلام التربوي لا يمكن أن يكون إعلاميا سياسيا أو اقتصاديا في ذات الوقت، والإعلامي الرياضي لا يمكن أن يعطي في المجال البيئي أو التنموي مثلا، وبهذا يجب الحرص على التخصص العام أولا، ومن ثم في مجالات التخصص التفصيلية لاحقا، وفي مختلف الوسائل، فمثلا مذيع نشرة الأخبار لا يمكن أن يكون محاورا في البرامج الحوارية ونقيس على ذلك، وأنا على يقين بأن حرصنا على تفعيل الإعلام المتخصص، سيكون للإعلام دوره المجتمعي الواضح، وطرحه الموضوعي المعزز لأدوات الرقابة المجتمعية، وهذه دعوة ونحن في مسار نهضة عمانية متجددة للعمل الجاد على إيجاد نخبة من الإعلاميين المتخصصين من أبناء هذا الوطن يسهمون بعملهم الإعلامي في تعزيز قدرات المجتمع وثقافته وتعامله مع مختلف الأحداث، وتكون رقيبا وعونا لمختلف الجهات للقيام بدورها الوطني المنشود.